Advertise here

الحديث عن الفساد والخطاب الانتخابي

28 نيسان 2022 17:16:46

يعتمد بعض المرشحين في خطاباتهم الانتخابية على المادة الدسمة التي تدغدغ مشاعر المواطنين بالحديث عن الفساد. وأصبحت هذه المادة كقميص عثمان، إذ أنّ هؤلاء يخاطبون الناخبين في الوضع المأساوي الذي يعيشه اللبنانيّون من بوابة الفساد التي أوصلت الوضع الاقتصادي في البلاد إلى ما آلت عليه، وطبعاً يستعيدون عبارتهم الشهيرة، "كلن يعني كلن"، واضعين كافة الأطراف السياسية في خانة واحدة.

كما يحاول البعض تحديد الفساد المستشري بمدة 30 عاماً، والمقصود به منذ انتهاء الحرب عام 1990، وكأنّه قبل ذلك كان لبنان في عصره الذهبي، وإدارات الدولة على خير ما يرام. وكأنّ الشعب كان يقوم بكامل واجباته تجاه الدولة، والدولة تؤمّن كافة حقوق المواطنين. كما يتناسى البعض أنّ الفساد لم يكن يوماً مرتبطاً بفترة زمنية محدودة. الفساد لم يأتِ فقط من خلال صفقات وسمسرات مشبوهة، بل أتى أيضا من تركيبة النظام اللبناني من أساسه، هذه التركيبة التي لم تحترم جوهر القوانين والتشريعات التي ترتقي بالدولة إلى مصاف الدول المتطورة والمتقدمة. وأمّا تحميل بعض الأحزاب دون غيرها وهي التي منذ نشأتها حملت لواء المواجهة والصراع في سبيل تطوير وتحسين النظام اللبناني، فهذه محاولة لذر الرماد في العيون والتلطي خلف الحقيقة الدامغة على أنّ المشكلة هي مشكلة نظام بالدرجة الأولى.

ولا يخفى عن بال أحد أنّ الفساد لا يقتصر فقط على بعض كبار القوم، بل يطال كل مواطن في بلد تتحكم فيه الفوضى المنظّمة: أليس هناك مِن المواطنين من لا يحاول التهرّب من دفع الضرائب للدولة؟ أو لا يحاول البحث عن واسطة لعدم دفع محاضر الضبط؟ أليس هناك مِن المواطنين من لا يحاول التخفيف من مصروف الكهرباء بطرق غير مشروعة؟ أو لا يحاول تخفيض قيمة مشترياته من عقارات وشقق، أو نقل إرثه، لتخفيف الرسوم التي تتوجب عليه؟ أليس هذا فساداً؟ أليس هذا هدراً للمال العام؟ طبعاً المشكلة تكمن في تربية المواطن لمفهوم الدولة، وهذا عائدٌ لغياب الدولة بحد ذاتها.

 ليت بعض من ترشحوا للانتخابات النيابية يصب اهتمامه في إخراج البلاد من قيد المذهبية. ليته يطرح قانوناً جديداً للأحزاب. ليته يسنّ قوانينَ لحماية الزراعة والصناعة الوطنية. ليته يعمل لفكّ أسر لبنان عن الصراعات الإقليمية والدولية، وعدم الارتهان لهذا المحور أو ذاك. ليت أولئك المرشحين يقرأون جيداً تاريخ لبنان قبل أن يستطردوا في خطاباتهم بتقييم هذا الحزب أو ذاك.

لا يا سادة. لا يا أيها الذين تريدون رشق الأشجار المترسخة بالأرض، والتي تعانق أغصانها السماء للحصول على ثمارها، فالثمار تقطف عند نضوجها، وهي محصول هذه الأشجار التي تنعش الجو العام.

سقطت مقولة "كلن يعني كلن" مع انفراط عقد ما يسمى بالمجتمع المدني، حيث انكشفت الأقنعة وتوضحت الرؤية، وظهرت جلياً خلفية كل مجموعةٍ أو فئة في لبنان. إنّ معالم الفرز أصبحت واضحة تماماً، وما على المواطنين إلّا التفكير ملياً في واقع لبنان منذ نشأته وصولاً إلى يومنا هذا، وليتمعنوا جيداً بين من قدّم أغلى التضحيات من أجل الوجود بحرية واستقلالية، وبين من يحاول إدخال لبنان في عزلة عربية ودولية.

سيكون يوما مفصلياً يوم الانتخاب، بين التنكّر للتاريخ وتزوير الحقائق وتدمير المستقبل، وبين الحفاظ على الكرامة الوطنية والوفاء لمن ناضل واستشهد وقدّم التضحيات. ولا بدّ من التأمّل جيداً بعيداً عن هذا الصخب الانتخابي الذي يتغذّى البعض منه.