Advertise here

برّي: لا تتعبوا أنفسكم... لن اتقاتل أنا وجنبلاط

03 أيار 2019 09:46:00 - آخر تحديث: 06 أيلول 2020 20:05:36

يبقى رئيس الحزب التقدم الاشتراكي وليد جنبلاط من السياسيين القلائل الذين يقدرون على إشغال الافرقاء والرأي العام ولو بتغريدة قصيرة من بضع كلمات نظراً الى ما يحمله من مواقف ورسائل تتخطى شعاع الحدود اللبنانية. وهذا ما فعله اخيراً بتوصيفه لملكية مزارع شبعا بعدما أحدث ضجة حيالها فاجأت حتى من يدور في فلك الرجل. ولا بد من الاعتراف هنا ان تأثير دوره في المشهد الحالي ومساهمته في اتخاذ القرارات الكبرى قد تراجع، ولا سيما بعد حصيلة الانتخابات الاخيرة التي لم تصب في مصلحته. ولا داعي للتذكير هنا بأن القانون الساري لم يكن محل قبول عند التقدمي والشريحة الكبرى من بيئة الموحدين الدروز. لم يتلق كثيرون كلام جنبلاط بارتياح عن تلك المزارع التي لا تزال بقعة ساخنة بين لبنان واسرائيل وسوريا ايضاً، ولا سيما ان الدولة العبرية تعتبر مساحات هذه المزارع جزءاً لا يتجزأ من “حدودها” واعتبارها مثل الجولان المحتل ولم يكن ينقصها الا مباركة الرئيس الاميركي دونالد ترامب. وثمة من يصف الكلام الاخير لجنبلاط بأنه “السقطة الوطنية الكبيرة” في توقيت صعب تمر به المنطقة وانه استهدف بكلامه معادلة وطنية كبيرة.

وجاءت رسالة جنبلاط في اتجاه المزارع وحديثه عن عدم لبنانيتها وتغيير خرائطها عن قصد من شاشة تلفزيون “روسيا اليوم”، وكأنه يريد ان يسمع دوائر الكرملين في موسكو مثل هذا الموقف الذي سقط على شكل نيزك ساخن فوق رأس “حزب الله” والكثيرين ممن يلتقون في فلك قوى 8 آذار والقريبة من سوريا. ولاقاه بالترحاب من لا يلتقي مع دمشق عندما سمعوا من زعيم المختارة بأن مزارع شبعا ليست لبنانية. وزاد على هذا الموقف ان هناك فرقاً بين ملكية المزارع والسيادة على الارض.

وبعيداً من الردود التي تلقاها جنبلاط من أكثر من جهة تسلطت الضوء على صديقه الرئيس نبيه بري الذي ارتبط معه في ملفات عدة قبل اكثر من اربعة عقود. ولم يتلق بري كلام جنبلاط بارتياح والتشكيك بلبنانية مزارع شبعا مع التذكير بأن رئيس المجلس حسم هذا الامر على طاولة الحوار في العام 2006. ولم تعد تصدر اصوات تقول ان هذه المزارع ليست لبنانية. وفي المناسبة لو نطق الدكتور سمير جعجع بالكلام نفسه عن المزارع لانهالت عليه الردود من كل حدب وصوب. وثمة من دخل على الخط متجاوباً مع جنبلاط على طريقته مثل الرئيس ميشال سليمان والنائب سامي الجميل وشخصيات اخرى في 14 آذار. وجاء كلام جنبلاط بحسب مناوئيه بالتناغم مع اجندات اقليمية، وان توقيته لم يكن بريئاً الذي استفز “حزب الله” وان المختارة في النهاية جلبت لنفسها خسارة اضافية وان كانت لا تتجه الى قطيعة مع الحزب قبل كلام جنبلاط وان ما حصل حيال معمل عين دارة لا يستدعي كل هذه الضجة وان كان البعض يتحدث عن فتح ” بازار مالي” في استخراج البحص وانتاج الاسمنت في هذه المنطقة.

لكن تبقى لرئيس التقدمي مكانة خاصة عند “الثنائي الشيعي” الذي يعرف حقيقة أهمية موقع جنبلاط في الحياة السياسية في لبنان. وفي زحمة هذا الضجيج حصل اتصال بين بري وجنبلاط، وأسمعه الاول كلاماً واضحاً حيال المزارع والتأكيد على لبنانيتها. ولم يكشف عن كامل مضمون هذا الاتصال احتراماً لمسار تاريخ العلاقات الطويلة بينهما، علما ان نواباً من كتلة “التنمية والتحرير” ردوا على جنبلاط في هذا الموضوع الحساس.

وكان بري قد استمع الى الرواية الجنبلاطية من جوانبها كافة. وبعيدا من العلاقة الممتازة بين الرجلين، فإن رئيس المجلس لا يقدر الا الحفاظ على ربط النزاع الايجابي مع جنبلاط جراء العلاقة الاستراتجية والتاريخية التي تربطهما، مع ضرورة الاشارة الى عدم تغييب “الحقيقة الجنبلاطية” في البلد وضرورة الحفاظ على هذا الوصل بين الشيعة والدروز، في لحظة تصفية حسابات محكومة بتعاطي الافرقاء في ما بينهم، علماً ان كلام جنبلاط اصابت بري بالصميم وهو الذي يقدم نفسه عن اقتناع وايمان بانه في موقع الحارس لاراضي شبعا المحتلة والعامل على إعادتها الى كنف السيادة اللبنانية.

وجاءت صاعقة جنبلاط الاخيرة بعد”معركة البحص” الاخيرة في عين دارة بينه وبين “حزب الله” ومن خلفه النائب السابق نقولا فتوش. في غضون ذلك، لم يكن من المستغرب دخول النائب طلال ارسلان والوزير السابق وئام وهاب على خط ملف مزارع وردهما على المختارة. ولم يقصر وهاب في الرد بقساوة على جنبلاط عندما توجه اليه بالقول: “ان الغدر ليس من شيم الدروز ويكفيك جبهات. اترك لنا صديقاً، الا نبيه بري يا ذكي”.

وفي خضم عاصفة جنبلاط التي لم تنته ذيولها بعد دخل البعض على اللعب بين علاقة بري وجنبلاط. وردا على كل هذا الكلام، وعند تلقي بري كل الردود على جنبلاط، لم يشأ رئيس المجلس الا ان يردد امام زواره سوى هذه الجملة موجهة الى كل من يعنيه الأمر: “لا تتعبوا أنفسكم لن اتقاتل أنا وجنبلاط”. ولا يعني صدور مثل هذا الموقف انه يؤيد صديقه اللدود حول موضوع المزارع.

اما على خط “حزب الله”، فإن القطيعة بين المختارة وحارة حريك فيبدو انها مستمرة وستكون طويلة هذه المرة، لكنها في النهاية لن تبقى على هذه الحال نظراً الى الحاجة السياسية المتبادلة بين الطرفين على قاعدة تنظيم خلافاتهما حيال أكثر من ملف وخصوصاً حيال نظرة تعاطيهما مع النظام السوري. من جهته لن يقف برّي مكتوف اليدين أمام هذه القطيعة فهو سيبادر إلى جمع الطرفين حالما تسنح الفرصة.