Advertise here

رسائل حازمة من بكين إلى واشنطن حول تايوان

21 نيسان 2022 14:43:02

لا توفر الإدارة الأميركية أي فرصة لتعميق الخلاف بين الصين وتايوان إلّا وتستغلها لدق إسفين التوتر بين الإقليم المستقل والدولة الأم. فمنذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، أثارت الصحف الغربية قضية إقليم تايوان، وكرّست عدداً من صفحاتها لنشر تقارير ومزاعم تصب جميعها في اتجاه واحد:  متى تقدم الصين على غزو تايوان، ومدى قدرة تايوان على التصدي للغزو، وكيف سيكون رد فعل واشنطن في تلك الحالة. وفي 5 نيسان الجاري وافق الرئيس الأميركي على صفقة أسلحة متطورة لتايوان بعد جلسة استماع عقدتها لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأميركي لمناقشة حرب أوكرانيا وتأثيرها على قضية تايوان. وقبل أيام زار وفد من مجلس النواب الأميركي تايبيه، بمشاركة أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

بكين ردّت بحزم، وعلى الفور، على الاستفزازات الأميركية والإشارات الخاطئة التي ترسلها حول قضية تايوان. ففي الوقت الذي كان رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، بوب مينينديز، والوفد المرافق يجتمع برئيسة تايوان، تساي إينغ وين، كان الجيش الصيني يجري مناورات عسكرية واسعة النطاق في منطقة قريبة من الجزيرة. وذكر تلفزيون الصين المركزي الرسمي نقلاً عن شي يي لو، المتحدث باسم قيادة مسرح العمليات الشرقي، أنّ الجيش الصيني أرسل فرقاطات، وقاذفات قنابل، وطائرات مقاتلة، لبحر الصين الشرقي والمنطقة المحيطة بتايوان، "رداً على إرسال إشارات خاطئة على نحو متكرّر من الولايات المتحدة بخصوص تايوان في الآونة الأخيرة".

تنظر الصين إلى تايوان باعتبارها إقليمياً منشقاً عنها، وترفض هذه النوعية من الاتصالات الرسمية بين تايوان والدول التي تربطها علاقات دبلوماسية مع بكين. فالمتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو ليجيان، رأى أن الإجراءات الأمريكية الأخيرة (زيارة وفد من الكونغرس الأميركي لتايوان) تتعارض مع مبدأ "صين واحدة"، ومبادئ البيانات الصينية الأميركية المشتركة الثلاثة. وقال في تصريح صحفي: "يجب على الولايات المتحدة وقف الاتصالات الرسمية المتبادلة مع تايوان".

يعتقد مراقبون أنّ هذه الزيارة لأعضاء من الكونغرس الأميركي إلى تايوان، وما جرّته من ردود فعل صينية، ليست بمعزل عن الاستقطابات والتجاذبات الدولية الحادة على وقع الحرب الأوكرانية، وأنّها قد تندرج في سياق محاولات كبح الاصطفاف الصيني ولو "الموارب" مع روسيا في الأزمة الأوكرانية، وربما العكس عبر "توريط بكين عسكرياً في تايوان لاستنزافها اقتصادياً".

وفي وقت سابق على الزيارة أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية، وو تشيان، "أنّ الصين ملتزمة بحزم بإعادة التوحيد السلمي مع تايوان، لكنّها لن تتسامح أبداً مع استقلالها"، لافتاً إلى أنّه "لا توجد سوى صين واحدة في العالم، وتايوان جزء لا يتجزأ منها، وأنّ المواطنين على جانبي مضيق تايوان لهم مصير مشترك، وهم إخوة بالدم."

 وكانت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أعلنت قبل أيام من وصول الوفد الأميركي إلى تايبيه موافقة الرئيس الأميركي، جو بايدن، على بيع أسلحة وخدمات تدريب إلى تايوان، بقيمة 95 مليون دولار، من أجل "المساعدة في الحفاظ على نظام الدفاع الصاروخي أميركي الصنع، باتريوت، وضمان استعدادها لعمليات جوية"، مشيرةً إلى أنّ الأجهزة وخدمات التدريب المتوفرة بمثابة "قوة ردع" في وجه التهديدات الإقليمية، وتعزيز نظام الدفاع عن الأراضي التايوانية.

بكين التي تعارض بشدة صفقات الأسلحة الأميركية المتكررة مع تايوان، والتي نقلت وسائل إعلام أجنبية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، أنّ صفقة الأسلحة الأميركية مع تايوان، "تتعدى بشدة على سيادة الصين وأمنها ومصالحها التنموية، وتضر بالعلاقات الأميركية- الصينية، وتعرّض السلام والاستقرار في المنطقة للخطر"، وقال إنّ "بكين تتعهد باتخاذ إجراءات "حازمة وقوية" لحماية سيادتها ومصالحها الأمنية.

مصادر دبلوماسية مقربة من دائرة القرار الصيني، أوضحت للأنباء أنً “بكين لا تريد التصادم مع واشنطن، لكنّها ترى أنّ مضي الأخيرة بهذا الشكل في استفزاز الصين من البوابة التايوانية، يعني كسر هيبة الصين والانتقاص من قوتها حول العالم، ولهذا بادرت للقيام بهذه المناورات وإرفاقها بتهديد مبطن يكاد يكون مباشراً لواشنطن من اللعب بالنار التايوانية. ورأت المصادر أنّ، "الصين تراقب المشهد الأوكراني وعينها على تايوان من جهة، وعلى تحرّك الكتلة الغربية، إضافة لليابان وأستراليا، بإمكانياتها الضخمة ضد روسيا من جهة أخرى، والرسائل المبطنة ضد الصين".

وفيما تعتمد الصين سياسة العصا والجزرة مع تايوان، التي تعتبرها أرضاً صينية، تسعى لإبراز قوتها العسكرية المتنامية والمتفوقة في محيطها من جهة، وتحاول احتواء تايوان عبر تقديم تجربة النموذج الصيني الاقتصادي المتفوق والناجح، بناتج محلي يزيد عن 1.8 تريليون دولار متجاوزاً ناتج نظيره التايواني، البالغ 668 مليون دولار لسنة 2021 من جهة أخرى، إضافةً إلى طرح نموذج "دولة واحدة في نظامين"، الذي حاولت بكين تطبيقه في هونغ كونغ. ومن هنا تأتي المناورات الصينية تحديداً، "كردٍ على زيارة وفد من الكونغرس الأميركي لتايوان، والتي سبقها تصريح من المستشار الأميركي للأمن القومي، جيك سوليفان، أكّد خلاله عزم واشنطن اتّخاذ كافة الإجراءات الممكنة لمنع إعادة توحيد تايوان مع الصين بالقوة".

تحدثت إدارة بايدن مراراً عن التزامها "الراسخ" تجاه تايوان. وبدورها حذّرت الصين واشنطن من أنّ القوتين العظميين قد ينتهي بهما المطاف إلى مواجهة عسكرية إذا شجعت واشنطن على استقلال تايوان. هل جاء دور تايوان؟