Advertise here

هل صحيح أن مسؤولية الانهيار اللبناني تقع على السياسة التي اعتمدت منذ 30 عاماً؟

18 نيسان 2022 12:48:08

يكثر مسؤولون لبنانيون، غالبيتهم محسوبون على العهد الحالي وقوى الممانعة، الحديث عن مسؤولية السياسة التي اعتمدت منذ 30 عاما مضت عن الانهيار المالي والاقتصادي الذي يعيشه لبنان اليوم.

ويغمز هؤلاء من قناة الحريرية السياسية (نسبة إلى الرئيس الشهيد رفيق الحريري) على اعتبار أن نهجها اعتمد على الاستدانة وعلى تشجيع القطاعات المصرفية والخدماتية وأهملت القطاعات الأخرى ومنها الصناعية والزراعية، لكن قراءة موضوعية لما جرى يعطي نتيجة عكسية، رغم أن تلك الحقبة أهملت بالفعل بعض القطاعات الإنتاجية الضرورية، لكن أعطاء الأولية لإعادة إعمار ما دمرته الحروب التي حصلت في لبنان بين العام 1975 والعام 1990 أعطى الحريرية أسبابا تخفيفية عن مسؤوليتها.

تولى الشهيد رفيق الحريري رئاسة الحكومة في العام 1992 بعد أن انهار الوضع النقدي ووصلت قيمة صرف الدولار إلى 2700 ليرة لبنانية، وكانت تراوحت قيمته إبان الفترة التي سبقت هذا التاريخ ما بين 5 ليرات قبيل الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 و800 ليرة خلال حرب الإلغاء وحرب «التحرير» التي شنهما العماد ميشال عون بين العام 1987 والعام 1989، واستطاع الحريري تثبيت قيمة الصرف على 1500 ليرة للدولار الواحد، وشرع بتنفيذ مروحة واسعة من المشاريع الإنمائية شملت توسعة مطار بيروت وإنشاء طرقات رئيسية وبناء مستشفيات حكومية ومدينة جامعية في الحدث، إضافة لإعادة إعمار وسط بيروت الذي أصابه دمار كامل، والأبرز في هذا السياق كان تنفيذ خطة لإعادة المهجرين، استطاعت عقد المصالحات وإخلاء المنازل وإعادة بناء القرى المهدمة على امتداد مناطق جبل لبنان والشمال وبيروت، بأقل من 1.6 مليار دولار، كما أعادت الخطة بناء محطات توليد الطاقة الكهربائية، وعاد التيار 24 ساعة إلى المناطق اللبنانية قبل العام 2000.

كان الدين العام عند اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 فبراير 2005 لا يتجاوز 18 مليار دولار، بينما يقارب اليوم 100 مليار. ورغم الاضطرابات التي تلت عملية الاغتيال ـ لاسيما حرب تموز 2006 التي تقول عنها جهات معارضة لحزب الله- فإن سبب نشوبها توزيع أدوار وخلق توتر للهروب من التحقيقات الدولية في عملية الاغتيال ـ كان الوضع المالي مستقرا، وفترة تولي حكومة الرئيس فؤاد السنيورة إدارة البلاد لعدم وجود رئيس للجمهورية، كانت مقبولة، ولم يحصل فيها أي انهيار، برغم انسحاب وزراء الثنائي الشيعي منها قبل تسوية الدوحة في مايو 2008، وفي العام 2009 وصل النمو إلى 10%.

من المؤكد أن العهد الحالي يكرر الإشارة الى أن الانهيار حصل بسبب تراكم الأخطاء منذ 30 سنة (أي منذ هزيمة الرئيس عون في قصر بعبدا وسفره إلى باريس في 13/10/1990) لكن الوقائع والأرقام تؤكد أن سنوات العهد الحالي وما سبقها من فراغ رئاسي تتحمل الوزر الأكبر عن الأزمة المالية والاقتصادية. ففي هذه الفترة عزل لبنان عن أشقائه وأصدقائه، وأجهضت نتائج مؤتمر «سيدر» الذي كان سيمنح لبنان 11 مليار دولار، وسياسة العهد ألحقت البلد بمحور الممانعة المتهم بالإرهاب والتهريب وتبييض الأموال، وفريق رئيس الجمهورية احتكر أهم الوزرات الخدماتية ـ لاسيما وزارة الطاقة ـ وصرف عليها أكثر من 47 مليار دولار وفق ما ورد في قطع حساب نفقات الدولة للسنوات الماضية، من دون أن يحقق أي إنجاز لا في الكهرباء الغائبة كليا عن منازل الناس، ولا في السدود المائية التي استهلكت مبالغ طائلة.

وسوء إدارة الدولة أدى إلى ضرب المؤسسات الرئيسية والقطاعات الحيوية، وقد هدرت الحكومة أكثر من 20 مليار دولار من احتياطات مصرف لبنان وبقرارات منها منذ إعلان الإفلاس (أو الامتناع عن تسديد اليوروبوند) في 20 آذار 2020.