يشكل مسلسل «للموت» في جزئه الثاني أحد أهم الأعمال الدرامية المعروضة على الشاشات في موسم رمضان الحالي. نجحت خلطة الممثلين، إضافة إلى نص محبوك بالتشويق، وجاءت كاميرا المخرج فيليب أسمر، بمثابة حبة الكرز التي تتوج قالب الحلوى فتزيده توهجاً. وكان الجزء الأول من هذا الإنتاج اللبناني قد اختارته منصة «نتفليكس» لعرضه.
التناغم الذي يخيم على أداء أبطال العمل ماغي بو غصن ودانييلا رحمة وباسم مغنية ومحمد الأحمد، إضافة إلى بديع أبو شقرا، يولد عملاً درامياً جذاباً. فمشاهده لا يمل من متابعته، كون أحداثه سريعة تواكبها كاميرا رشيقة.
ومرة جديدة يطالعنا أحد أبطال المسلسل باسم مغنية بأداء لا يمكن أن يمر مرور الكرام. فهو يسير بين النقاط بتأني المحترف، ويطلق لتمثيله العنان، فيحلق نجماً درامياً، لا يشبه غيره. فباسم هو من الممثلين القلائل الذين لا خلافات حول محبتهم. الغالبية تقدره ومعجبة بأسلوبه في التمثيل، الذي يستوقفك من دون استئذان. فصاحب شخصية عمر في هذا المسلسل، حفر في ذاكرة الناس منذ الجزء الأول في رمضان الفائت. وها هو اليوم يدفعهم من جديد للتسمر أمام الشاشة الصغيرة، لمراقبته والاستمتاع بتمثيله الطبيعي. فهو ورغم تجسيده للمرة الثانية شخصية عمر، عرف كيف يلونها بأداء غير مكرر. فيا ترى ما هو سره؟ يرد باسم في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أنني محظوظ كي أحصد هذا الانطباع الذي تتحدثين عنه. ولكن دعيني أقول لك شيئاً، فأنا من الممثلين الذين لا يخططون للدور. الفطرة هي التي تقودني في أدائي. فمن يخطط يستنجد بأحاسيس أو حركات ولغة جسد أقدم عليها من قبل. ولكن وبما أني ممثل بالفطرة تخرج مني دائماً طاقات متجددة. لم أفكر يوماً كيف عليّ أن أتلقف هذا المشهد أو ذاك، أو ما هي الكلمة التي يجب أن ألفظها كي أنجح، فأترك لفطرتي القيادة وأتبع إحساسي».
ويشير مغنية المعروف بين المخرجين الذين يتعاون معهم بهذه الميزة، إلى أنه أحياناً، وبسبب أداء تلقائي يولد معه مباشرة في موقع التصوير، يمكن أن يكرر حركة أو كلمة ما معروفاً بهما. «ليس لأني حفظته، بل لأنه نابع من فطرتي وليس من مخزوني التمثيلي. بالتأكيد المخزون يلعب دوره وله علاقة بخبرة الممثل ودراسته، ولكن لكل منا مدرسته. وأنا شخصياً مدرستي هي ترك أحاسيسي تخرج مني بتلقائية. طيلة عمري اتبعت هذا الأسلوب في التمثيل، ومن تعاونت معهم من مخرجين يعرفون هذا الأمر. والخبرة بالتأكيد تدمغني وتتوج مع الوقت أدائي، فتكون بمثابة البوصلة التي توجهني كي أتصرف».
عادة ما لا يتوقع كثيرون في الجزء الثاني لمسلسل ما، النجاح المطلوب. فيعتبرونه بمثابة خطوة محفوفة بالخطر وسيفاً بحدين. قد يجذب المتابع، ولكن الخوف من الوقوع بالرتابة ممكن كذلك. فما رأي باسم مغنية بذلك؟ «لا أعتقد ذلك أبداً، أعتبر نفسي أشارك في عمل يتألف من 60 حلقة بدلاً من 30، فلا خطورة يمكن أن يواجهها جزء ثان من عمل درامي في حال كان خطوة مدروسة. ونحن كفريق (للموت 2) نشعر بأننا نملك أدوارنا، وبمقدورنا أن نلعب في مساحاتها بشكل أكبر. فمرحلة التمرين وانتقادنا لأنفسنا تجاوزناها. والأهم أن عناصر النجاح حاضرة بدءاً من الإنتاج مروراً بحدوتة العمل وفريقه. فإذا ما تواجدت جميعها، فإني لا أتأخر عن تقديمها».
عبارة «انتقادنا لأنفسنا» فتحت باب حوار آخر. فهل الممثل ومهما بلغ من نجاحات يبقى ناقداً لنفسه؟ يرد: «طبعاً الانتقاد موجود ومع الوقت تتغير وتتبدل نظرتنا للأمور فتتطور أفكارنا. وأنا شخصياً لا أشعر بالاكتفاء من أدائي (دايما مش عاجبني حالي). هذا لا يعني أني ضعيف، ولكن أفكر دوماً أنه في استطاعتي تقديم الأفضل».
برأي باسم عندما يبلغ الممثل الإعجاب حد اعتبار نفسه نجماً وأستاذاً، فهو يقترف خطأ. ولذلك عليه دائماً الاجتهاد ومتابعة أدائه، كي يطور نفسه.
وفي الإجمال يعد مغنية أن ما يقوم به الممثل اللبناني اليوم يحسب له، في ظل أوضاع بلد غير مستقرة وظروف اجتماعية غير مؤاتية. «نبذل الجهد كمجموعة من أجل أن ننجح ونثبت خطواتنا في الدراما العربية. ظروفنا المادية والسياسية لا نحسد عليها. حتى ظروف التصوير مجهدة، إذ نمضي أحياناً أكثر من 15 ساعة تصوير في اليوم الواحد، ننفذ ما يناهز 12 أو 13 مشهداً. ولو كنا نقوم بهذا الجهد في هوليوود مثلاً لكانوا أعطونا الجوائز. فكيف لو كنا نعمل براحة وفي ظل ظروف إيجابية أكثر؟ في الخارج يتوفر للممثل كل عوامل الراحة، يكفي أن يحقق 4 مشاهد ناجحة حتى يحصل على الأوسكار. ورغم كل ذلك فإن الممثل اللبناني يعطي بكل طاقته وينجح، وهو برأيي إنجاز نسبة إلى ما يمر به من ظروف في البلد».
ويستشهد باسم في أدوار سبق وقدمها كـ«رامح» في «ثورة الفلاحين» و«أسود» في مسلسل يحمل الاسم نفسه. وكذلك بـ«تانغو» وحالياً بـ«للموت». «لو أن ممثلاً أجنبياً قام بهذه الأدوار لكان تم تقديره». وهل تعني أن الممثل في لبنان غير مقدر؟ «لا أبداً لا أعني ذلك. فنحن اليوم مقدرون بشكل جيد، ونعامل أفضل معاملة، وأجورنا كبرت، وسائرون نحو الأحسن. ولكن الوطن العربي برمته لا يعطي اهتماماً كبيراً إلا لناحية تنفيذ العمل في الوقت المحدد، من دون التفكير براحة الممثل. ففي البلدان الأجنبية، فإن عملية تصوير ساعة نصف من عمل فني قد يستغرق سنة كاملة. أما نحن فـ30 ساعة تصوير ننجزها في شهور قليلة. وهذا بالنسبة لي يؤثر على الممثل مقارنة بزميله في الخارج، واعتبر ما نقوم به إنجازاً بحد ذاته. وإذا ما قمت بالمقارنة اليوم بين مسلسل أجنبي يعرض على منصة (نتفليكس) ومسلسل (للموت) فستكتشفين أن المستوى واحد. فلا مشاكل لوجيستية عندنا، بل مشكلة وطن، إذا ما تحسنت أوضاعه يتنفس أبناؤه الصعداء، ويصبح بمقدورهم تقديم الأفضل».
مشاهد ومواقف عديدة يتضمنها مسلسل «للموت 2» يتم تداولها بكثافة على وسائل التواصل الاجتماعي. حتى أن بعضها تحول إلى «تراند»، لا سيما تلك التي تتضمنها مشاهد تجمع بين ماغي بو غصن (سحر) وباسم مغنية (عمر). فالكلمات الشوارعية المعتمدة في الحوار بين هاتين الشخصيتين، إضافة إلى حركات بينهما يخرجان فيها عن المألوف في الدراما العربية، أسهمت في انتشارها. أفلا يزعج صاحب شخصية عمر أن تناديه سحر باسم «أبو مخطة» وهو يلقبها بـ«أم لحسة»؟ وفي مرات أخرى تحمل سحر حذاءها كي توقظه من نومه؟ يرد: «لا يزعجني ها الموضوع بتاتاً ولا التعليقات التي ترافقه. فكل دور له شخصيته وخطوطه. وفي أدوار سابقة تلفظت بعبارات قاسية كما رامح في (ثورة الفلاحين). وليس من الضروري أن يتأثر الممثل بالدور ويمتنع عن لعبه لأنه يتضمن ألفاظاً غير لائقة. فهي من أدوات الشخصية التي يؤديها، خصوصاً أن سحر وعمر وريم هم أبناء شارع، وتربوا في حضنه فلا بد أن يتحدثوا بلغته. وعلى فكرة بعض هذه الحركات أنا من اقترحها. فعندما نجلس ماغي وأنا مع بعضنا نخرج بأمور عفوية تشبه شخصيتنا».
وهل باسم مغنية مستعد للدخول في جزء ثالث من «للموت» في حال تقرر إنتاجه؟ يقول في سياق حديثه: «بالتأكيد أقوم به في حال كان الدور يناسبني، وهناك أفكار جديدة كثيرة تلون بها الجزء الثاني، ويمكنها أن تتجدد في جزء ثالث».
ويطل باسم مغنية في شهر رمضان الحالي من خلال دراما مصرية، وهي من نوع الخماسية ضمن سلسلة «انحراف». ويلعب البطولة مع الممثلة روجينا مجسداً دور معالج نفسي. كما يصور حالياً مسلسل «التحدي»، وهو تكملة لدراما «سر» ضمن دور المفتش جاد حرب، مع باقة من الممثلين كبسام كوسى وستيفاني صليبا وفرح بيطار وكارمن لبس وجورج شلهوب.