Advertise here

الشرق الأوسط بعد "اتفاق فيينا": مزيد من البؤس والتقهقر

10 نيسان 2022 07:58:48

حالة المد والجزر التي تشهدها محادثات فيينا بخصوص الملف النووي الإيراني لا تلغي النتائج السياسية، وربما العسكرية أو الأمنية الكبرى، التي ستتمخض عنها. واضحٌ أن الولايات المتحدة وإيران ترغبان في التوصل إلى اتفاق، وهو ما كان ظاهراً من المواقف والتصريحات حتى قبل إطلاق موسكو أوسع حرب على أرض أوروبية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
لطالما كانت الدبلوماسية سياسة مرغوبة لتفادي الحروب والنزاعات المسلحة، ولتفادي الانزلاق إلى مستنقعات الاقتتال التي تهدد السلم الدولي، وتطيح بالاستقرار السياسي في دولٍ وأقاليم جغرافية بحالها. ولطالما راهنت عليها الشعوب كي لا تقع في دوامة التهجير واللجوء القسري مع كل ما يولده من مآسٍ ومشكلات وصعوبات.
لذلك، تبدو مقاربة هذا الملف ومحاولة إيجاد الحلول الدبلوماسية والسياسية له تنطبق على القواعد أعلاه وتتماشى مع المبادئ العامة. ولكن لا مناص من القول إن «تحييد» الملف النووي الإيراني، إذا صح التعبير، لا يعني وقف سائر الأنشطة الإيرانية الأخرى التي تحصل في سائر البلدان المجاورة، وقد وصلت إلى درجة استباحة عددٍ من الساحات العربية.
في حال التوصل إلى اتفاق وشيك في فيينا، فإنه يُذكر حتماً بتلك التجربة والاتفاقية البائسة التي أبرمها الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، مع النظام السوري، عندما حصل تفاهم بين واشنطن وموسكو سنة 2012 على سحب الترسانة الكيماوية السورية إلى خارج البلاد، من دون المس بالنظام. إن الرسالة الأساسية التي بعثت بها واشنطن، عن قصد أو من دون قصد، أن القتل مباح ومتاح بسائر الأسلحة الكلاسيكية الفتاكة، ولكن ليس بالأسلحة الكيماوية!
وهكذا استمر النظام السوري بالقيام بكل ما يلزم للإطباق على كل مفاصل الدولة السورية التي كانت قبضته الحديدية عليها قد تلاشت تدريجياً مع اندلاع الثورة الشعبية في عام 2011، وجر كل فصائل الثورة إلى ملعبه المفضل، أي الملعب الأمني، فتعسكرت وانقسمت البلاد وتحول النزاع إلى حربٍ أهلية دامية بعد أن أعادت موسكو تعويم النظام وتقويته على سائر أخصامه تقريباً، وساعدته على السيطرة على معظم المناطق والأراضي السورية.
المثال ذاته سيتكرر تقريباً. توضع الترسانة النووية الإيرانية جانباً، وبصورة مؤقتة، وفي الوقت ذاته، تُطلق يد طهران في سائر القضايا والساحات الأخرى. تواصل سياساتها التوسعية من خلال وكلائها المحليين في لبنان وسوريا والعراق واليمن، من دون أن تنغمس مباشرة إلا حيث تتعقد الأمور بشكل كبير، وتوحي بأنها قد تخرج عن السيطرة مثلما حصل في سوريا.
سياسة تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية لم تتغير منذ عام 1979، ولو تغير الأسلوب وتعدل الخطاب والأدبيات السياسية. تُخصص طهران مبالغ مالية ضخمة لمساعدة أذرعها المسلحة وميليشياتها العسكرية في مواقع مختلفة وتساعدها على بناء قدراتها الأمنية والعسكرية ومرافقها الاجتماعية والمؤسساتية خطوة خطوة، بما يوفر لها إمكانيات التغلغل في المجتمعات المنقسمة في هويتها والضعيفة في وحدتها الداخلية.
عملياً، تؤدي هذه السياسة إلى إضعاف المجتمعات المخترقة، وإلى السيطرة السياسية على قرارات الدولة السيادية ومصادرة وظائفها الأساسية في الدفاع والأمن وضبط الحدود وسوى ذلك. من الأمثلة الحية على ذلك المطالبة المستمرة بالثلث المعطل في الحكومات بدءاً من لبنان وصولاً إلى العراق. إنه البدعة التي اخترعها محور الممانعة للإمساك بناصية القرار السياسي، وامتلاك القدرة على شل المؤسسات الدستورية وتعطيلها في اللحظة السياسية المناسبة. إنها أوراق سياسية تُستعمل وفق المصالح والأجندات المرسومة.
ولكن، أي تفكيك لذاك المصطلح الشهير المسمى «محور الممانعة» يفضي إلى التساؤلات المشروعة التالية: باستثناء تغذية أذرعها المنتشرة في عدد من الساحات، أين حاربت طهران الاحتلال الإسرائيلي؟ أين واجهته؟ هل فعلاً يستفيد محور الممانعة من تراجع إسرائيل أو تقهقرها؟ والسؤال ذاته يُوجه إلى تل أبيب: ألا تحتاج إسرائيل لهذا العدو التاريخي الذي تنفذ من خلاله لابتزاز الغرب الذي يبتز العرب بدوره في العديد من المجالات؟ الاحتلال الإسرائيلي يستفيد من محور الممانعة والعكس صحيح.
إن «المغريات» الأميركية المتلاحقة لطهران للتوصل إلى اتفاق فيينا، تارة بالإشارة إلى سحب الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية، وتارة أخرى برفع العقوبات الاقتصادية، قد تؤدي في نهاية المطاف إلى إنجاح مفاوضات فيينا، ولكنها لن تعزز الاستقرار في الشرق الأوسط، ولن تخفض مستويات الفقر في الداخل الإيراني، بل سترفع من مستويات الدعم للأذرع التنفيذية في المنطقة العربية.
إذا كان التسرع الأميركي لإبرام الاتفاقية في فيينا بأي ثمن مرده التفرغ إلى مواجهة الصعود الصيني والمغامرات الروسية، يصبح عندئذٍ التساؤل حول القوة العظمى التي تفاخر بها واشنطن مشروعاً ومفهوماً.