Advertise here

أبناء الجبل ليسوا "عَبَدة كراسي"

05 نيسان 2022 12:11:49

استوقفني مقال للسيدة (الدكتورة) وفاء أبو شقرا، نشره موقع 180 الرصين، والذي دفعني للرد عليه، لا انطلاقاً من باب المساجلة، إنّما من حقيقة أنّ ما ذكرتْه يدعو للتساؤل والشك الكبيرين في قناعتها بما كتبته، فالمقال مليء بالتناقضات التي تستوجب هذا الرد.

لقد فات السيدة الكريمة أنّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، كان قد ألبَسَ نجله، النائب تيمور، كوفية النضال في قصر المختارة في آذار من العام 2017، أي قبل عام ونيف من الانتخابات النيابية التي جرت في أيار 2018، وبالتالي لم تكن جولة وليد بيك عشية الانتخابات في ذلك العام، "التسويق لترشيح نجله الأكبر تيمور"، كما زعمت في مقالها، بل كانت لتوضيح حقيقة الحصار الذي كان يستهدف دار المختارة التي رفعت، وترفع، راية التحرّر الوطني في لبنان والعالم العربي. وكانت الكوفية التي ارتداها تيمور، والكلمة التي ألقاها جنبلاط الأب في تلك المناسبة، خير دليل على ما كان يجول في خاطر وليد بك في مواجهة موجات الاستهداف التي لم تتوقف على مرّ التاريخ، في محاولات فاشلة لإنهاء دور الدار الممتد على مسافة زمنية تقارب الأربعة قرون ولا تزال.

وأمّا زعم الكاتبة بأنّ الكلام الذي نسبته إلى جنبلاط كان بمثابة رسالة "مغلّفة بالتهويل من المصير الذي ستلقاه" طائفة الموحدين الدروز، فالوصف مردود وليس بمكانه، إذ لم يلجأ وليد جنبلاط يوماً إلى التهويل، أو الترغيب، أو الوعيد، في خطاباته إلى أبناء طائفة الموحدين، وذلك ليس من عاداته، فالمختارة التي عجّت، وتعجّ أسبوعياً، بالوفود الشعبية بمناسبة أو غير مناسبة، خير دليل على أنّها دار كل اللبنانيين والعرب دون استثناء، وهي حملت لواء قضاياهم وكرامتهم، ووجودهم، واستمرارهم. وأخالني أعيد الكاتبة إلى اليوم المشهود في التاسع عشر من آذار المنصرم حيث غصّت هذه الدار بالوفود التي جاءت لتكرّم ذكرى الزعيم الوطني والعربي الكبير، الشهيد كمال جنبلاط، ونسألها: هل مورس تهويلٌ، أو ترغيب، تجاه هذه الوفود لكي تؤمّ الدار؟

وتستفيض الكاتبة في الإشارة إلى ما ادّعته زعماً "لغة الترهيب" في كلام وليد جنبلاط. وتستشهد في مناسبة "تجرّؤ" أحد أبناء قريتها العزيزة والغالية عماطور للترشّح إلى الانتخابات النيابية في الدورة الماضية، ناسيةً، أو متناسيةً، أنّ كمال جنبلاط كان أول من "تجرّأ" على طرح إجراء الانتخابات على أساس النسبية في العام 1975 من خلال البرنامج المرحلي للحركة الوطنية، وفتح المجال أمام تمثيل كل الأطياف السياسية. ثمّ تابع وليد جنبلاط هذا النهج داعياً في كل مناسبة إلى ضرورة تمثيل الفئات الشبابية، وحماية التنوّع، ولم تكن دعواته هذه صورية بل مارسها في الكثير من المحطات عملاً لا قولاً، ثم بعد اندلاع "انتفاضة" 17 تشرين، بادر ولا يزال في دعوة ما يسمّى "المجتمع المدني" بالمشاركة في الانتخابات، والوصول والعمل على التغيير، فهل "يخيف" جنبلاط إن ترشّح شابٌ طموح من عائلة كريمة عماطورية إلى الانتخابات بوجه تيمور؟ هل أحصت الكاتبة عدد الشبان الذين "تجرأوا" - كما تصف- على الترشّح إلى الانتخابات النيابية الحالية بوجه تيمور؟ هل كان هناك خطاب "تهويلي" بوجه هؤلاء من أبناء الشوف الأعلى، أم أنّ الكاتبة تخال أنّ هذا ما يجب أن يكون عليه الوضع؟ فهل سيخشى تيمور جنبلاط الشاب من مواجهة أبناء جيله في صناديق الاقتراع التي وحدها تحدّد من سيكون ممثلاً للمواطنين في الجبل الذين ليسوا في تاريخهم "عَبَدة كراسي"، ولن يكونوا.!!!

وفي الوقت نفسه، ما هو سجّل هؤلاء مقارنةً بسجل تيمور جنبلاط؟ هل أحد منهم قدّم مشروعاً نهضوياً، أو بيئياً، أو قام بمبادرة اجتماعية في قريته، إن لم نقل على مساحة الدائرة الانتخابية التي يترشّح عن أحد مقاعدها؟ وعلى ما يقول أحد أمثالنا الشعبية "الشمس طالعة والناس قاشعة". 

وأن تكون الكاتبة من أنصار "كلن يعني كلن" فهذا أمرٌ يعود لها، لكن يجب عليها أن تكون موضوعية في تفسير مآل هذه العبارة التي فيها من الإجحاف الكبير، لا بل التعمية المقصودة بحق كثيرين وفي مقدّمهم وليد جنبلاط.

نعم، وليد جنبلاط كان أحد نجوم السياسة اللبنانية منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، ولعله ألمعهم، لكن مشاركته في السلطة كانت على قياس الحجم والدور الذي أتاحه النظام السياسي الطائفي، والذي لتطويره قدّم الحزب وجنبلاط كل تجارب النضال.

 نعم وليد جنبلاط أعلن بصراحة ووضوح أنّه على استعداد للمحاسبة، لكن أمام قضاء عادلٍ ونزيه، وأن يتحمل ما يثبت عليه من جزء من المسؤولية عما باتت عليه أوضاع البلاد، لكن هل تجرأ أحد غيره ممن غاص في زواريب السياسية والسلطة، ونال حيزاً أكبر من السلطة، على المجاهرة بما قاله؟ 

فوق ذلك كله، نستطيع أن نفاخر، نحن المؤمنون بالخط التاريخي الذي تمثّله دار المختارة، والمعتزّون بقيادة وليد جنبلاط، أن نسأل الكاتبة إن كانت تقديمات جنبلاط- في الاستشفاء، ودعم مستشفيات عين وزين، والجبل، والإيمان، والوطني، وقبرشمون، وسبلين، وراشيا، ولاحقاً حاصبيا، وعشرات المستوصفات، إلى جانب مساعداتٍ مباشرة للمؤسّسات الاستشفائية، وفي التعليم، ودعم مؤسّسات العرفان، والإشراق، والمدارس الرسمية والمهنيّات، إضافةً إلى تقديم أراضٍ للجامعات الخاصة، ولفروع الجامعة اللبنانية من عبيه إلى سوق الغرب، وعاليه، فدير القمر، إلى عين وزين، والدبّية، ووادي التيم، إضافةً إلى 15 الف خريج من جامعات الاتّحاد السوفياتي ودولٍ أخرى، وأكثر من 22 ألف مساعدة جامعية عبر مؤسّسة وليد جنبلاط للدراسات الجامعية، وفي البيئة من محمية أرز الشوف التي يتفرّع منها أكثر من مبادرة زراعية واقتصادية، وفرص عمل بالآلاف، تُضاف إليها إقامة البرك الصغيرة، ومشاريع التشجير، وإنشاء محطات الصرف الصحي، ومشاريع الري ومياه الشفة، وفي التنمية من دعمُ مشاريع إنتاجية عبر قروض “مؤسّسة تمكين”، وعبر دعم المبادرات التكنولوجية من خلال Park innovation أرقام المساعدات، وفي الصحة حيث تتخطى الصحية  مليارات الليرات شهرياً ومنذ عشرات السنوات، وفي الدعم الاجتماعي عبر مؤسّسة الفرح الاجتماعية- تسمح لها بالاستمرار في التجني والحقد على زعامة المختارة، والدور الكبير الذي يلعبه وليد جنبلاط، اللّهم إلّا إن كانت لا تسمع، ولا ترى، ولا تقرأ، لا سمح الله.

لقد ذكرت الكاتبة أنّ قانون الانتخابات الحالي "المفبرك في العام 2017"، هو أحد مساوئ هذا النظام السياسي، وهي في ذلك محقّة وأكثر. لكن ومن باب الإنصاف، هل تذكر السيّدة الكريمة موقف الحزب التقدمي الاشتراكي، ونواب اللقاء الديموقراطي، من هذا القانون المسخ، وكيف أنّهم جاهدوا في رفضه؟ نعم، نحن ضد هذا القانون المسخ، ونطالب بقانون نسبي على قاعدة صحيحة وخارج القيد الطائفي، ومع إنشاء مجلس شيوخ، تطبيقاً لاتّفاق الطائف. لكن أيضاً وأيضاً، كيف يمكن لستة نواب، أو لكتلة من 9 نواب، أن يتمكّنوا من إحداث الفارق المطلوب، والسعي نحو بلوغ الهدف المنشود سوى على قاعدة "اللّهم اشهد أني بلّغت".

ختاماً لا بد من القول أن قوى خارجية كبرى، وأدوات داخلية رخيصة، حاولت إنهاء دار المختارة الموجودة منذ 400 سنة وأكثر، لكنها فشلت وبقيت الدار، وموجة المتلطين بحقوق الناس والمجتمع المدني لن تكون قادرة ولا مقتدرة أكثر من تلك القوى والدول، ولن تستطيع. فلتكن عوض ذلك مساعي شراكة تفاعلية إذا كان الحرص فعلاً هو عنوان العمل، وإلّا فلا يتوقّعن أحد من هؤلاء "التغبير" على العتبة الأولى من درج هذه الدار.