Advertise here

الصين تدعم مخاوف روسيا لكنها ترفض الحرب

31 آذار 2022 11:16:28

تختزن الثقافة الصينية الكثير من الحِكَم الشعبية المتناقلة والتي يردّدها المسؤولون الصينيون للدلالة على موقف ما، أو لتوصيف أزمة معيّنة، أو الإشارة إلى عبرة يسترشدون من معانيها حلولاً للأزمات. وقد وجدت الخارجية الصينية في الحكمتين التاليتين عبرة وموقف تبني عليهما رأيها من الأزمة الأوكرانية.

 تقول الحكمة الأولى، "يتطلب الأمر يدين اثنتين للتصفيق"، في إشارة إلى أنّ مسؤولية انفجار الأزمة الأوكرانية تقع على طرفي النزاع، وهما من دفعها نحو الانفجار وعليهما مسؤولية الذهاب إلى الحل. أمّا الحكمة الثانية فتقول، "مَن ربط الجرس في عنق النمر وحده يستطيع فكّه"، في إشارةٍ إلى مسؤولية أولية لطرف ما تسبّب في تلك الأزمة. وعليه ترى الخارجية الصينية ضرورة أن تتشبّث الأطراف المعنيّة بالإرادة السياسية، وإيجاد تسوية ملائمة في ضوء الاحتياجات الطارئة والطويلة الأجل، وينبغي على الأطراف الأخرى تهيئة الظروف لهذه الغاية.
 
عند افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين الشهر الماضي احتفل الزعيم الصيني، شي جين بينغ، بانتصار دبلوماسي بمأدبةٍ على شرف ضيفه، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث أعلنا عن رؤيتهما لنظام دولي جديد تكون فيه موسكو وبكين في صميمه، نظام غير مرتبط بالقوة الأميركية. وخلال العشاء، ناقش الزعيمان "القضايا الساخنة الرئيسية ذات الاهتمام المشترك"، وتعهّد الزعيمان بأنّ صداقة بلديهما "لا حدود لها". كما أعلن الزعيم الصيني أنّه لن يكون هناك "تذبذب" في شراكتهما، لكن محادثاتهما كانت لحظة حاسمة في الأحداث التي بلغت ذروتها بعد 20 يوماً مع انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. 

وقبل التدخل الروسي، وبعده بفترة وجيزة، بدت بكين متعاطفة مع مطالب موسكو الأمنية، واتّهمت الولايات المتحدة باستفزاز روسيا. لكن خلال الأسبوعين الماضيين أعلنت الصين عن حزنها لسقوط ضحايا من المدنيين خلال الحرب في أوكرانيا، وقدّمت المساعدات الطبية والغذائية لأوكرانيا، داعيةً إلى تعميق محادثات السلام بين الطرفين ووقف الحرب في أسرع وقت ممكن.

في مساء 18 آذار، أجرى الرئيس الصيني، شي جين بينغ، اتصالاً عبر الفيديو مع الرئيس الأميركي جو بايدن، بناءً على طلب الأخير. وتبادل الرئيسان وجهات النظر بشكلٍ صريح ومتعمّق حول العلاقات الصينية- الأميركية، والوضع في أوكرانيا، وغيرها من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وذلك وفق بيان الخارجية الصينية التي أشارت إلى أنّ، "الأولوية الملحّة هي مواصلة الحوار والتفاوض، وتجنّب الخسائر في صفوف المدنيين، ومنع وقوع أزمة إنسانية، ووقف الأعمال العدائية في أقرب وقت ممكن"،
وأنّه "على البلدان الكبرى التوصّل إلى تسوية دائمة لاحترام بعضهما البعض، ورفض عقلية الحرب الباردة، والامتناع عن المواجهة بين التكتلات، وخلق بنية أمنية متوازنة، وفعالة، ومستدامة للمنطقة والعالم تدريجياً. وتبذل الصين قصارى جهدها من أجل السلام وستواصل الاضطلاع بدورٍ بناء".
 
"الأنباء" استوضحت الموقف الصيني الذي لطالما شغل العديد من وسائل الإعلام الغربية، والتي وضع بعضها الصين في الموقع المغاير لتاريخها وثقافتها، حيث زعمت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن، "التضامن الصيني- الروسي قد يكون شجّع، وربما عن غير قصد، بوتين الرهان على خوض الحرب من أجل إخضاع أوكرانيا"، لكن دون أن تشير الصحيفة إلى أنّ بكين تقف في صف السلام وتعارض الحرب، ولا ترغب في رؤية الوضع في أوكرانيا يصل إلى هذا الحد. فالصين تبني استنتاجاتها ومواقفها بشكلٍ مستقلٍ وفق أوضاع كل قضية، على عكس ما يعتقد البعض في دوائر الإعلام الغربي. فبكين تدافع عن تمسّكها بالقانون الدولي والمعايير المعترف بها والتي تحكم العلاقات الدولية، كما تعلن التزامها بميثاق الأمم المتحدة، وتعزيز رؤية الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام وفق ما أعلنته في استراتيجية الحزام والطريق. وعلى هذه المبادئ الرئيسية تبني موقفها من الأزمة الأوكرانية، وفق مصادر في الخارجية الصينية، 
حيث أشارت المصادر إلى أنّ الرئيس الصيني شي جين بينغ، "دعا إلى تسوية ملائمة للأزمة الأوكرانية"، وبناءً لتوجيهاته "تقدمت الخارجية الصينية بمبادرة من ست نقاط لمعالجة الوضع الإنساني في أوكرانيا، وأبدت استعدادها لتوفير المزيد من المساعدة الإنسانية لكييف ولغيرها من البلدان المتضررة".

وترى المصادر أنّ، "روسيا وأوكرانيا تحتاجان إلى دعم جميع الأطراف بشكلٍ مشترك لخلق حوارٍ بناء وتفاوض جدّي من شأنه أن يخرج بنتائج إيجابية يدفع نحو إيقاف الحرب، وتحقيق الأمن السلام".

كما تدعو بكين، "الولايات المتحدة وحلف الناتو لإجراء حوارٍ مباشرٍ مع روسيا لمعالجة جوهر الأزمة الأوكرانية، وتخفيف القلاقل الأمنية لكلٍ من روسيا وأوكرانيا على حد سواء".
 
وتحذّر الصين من مخاطر الاعتماد على سياسة العقوبات الشاملة والعشوائية، ومن استمرارها وتصعيدها، بحيث أنّها لن تصل إلى نتيجة مرجوّة، بل ستزيد من معاناة الشعوب وتؤدي إلى أزمات خطيرة على مستوى العالم في الاقتصاد، والتجارة، والتمويل، والطاقة، والغذاء، وسلاسل الصناعة والإمداد، وإلى شل الاقتصاد العالمي المتعثّر بالفعل، والتسبب في خسائر لا رجعة فيها. وتقول المصادر إنّه "في ظل الحاجة إلى مكافحة كوفيد 19 من ناحية، وحماية الاقتصاد ومعيشة أبناء الشعب من ناحية أخرى، تصبح الأوضاع صعبة بالفعل بالنسبة لجميع دول العالم... وبالتالي علينا نحن كقادة للبلدان الكبرى، أن نبحث ونفكّر سوياً في كيفية معالجة القضايا الساخنة العالمية بشكلٍ صحيح"، وتقول: "كلّما كان الوضع أكثر تعقيداً زادت الحاجة إلى التحلّي بالهدوء والعقلانية. ومهما كانت الظروف هناك حاجة دائمة إلى الشجاعة السياسية، وإلى خلق مساحة للسلام وإفساح المجال للتسوية السياسية. المهم هو الحفاظ على الاستقرار العالمي، وعلى عمل وحياة المليارات من البشر".

على هذا الأساس تقدّمت الصين بمبادرة من ست نقاط لتجنب أزمة إنسانية هائلة، تضمنت:
 
- أولاً، التأكد من أن العمليات الإنسانية تلتزم بمبادئ الحياد والنزاهة، وإبعاد السياسة عن القضايا الإنسانية.
- ثانياً، إيلاء الاهتمام الكامل بالنازحين من وإلى أوكرانيا، وتوفير المأوى المناسب لهم.

- ثالثاً، ضمان حماية المدنيين، وتجنّب وقوع كوارث إنسانية ثانوية في أوكرانيا.

- رابعاً، إتاحة أنشطة الإغاثة الإنسانية الآمنة والسلسة، بما في ذلك توفير إمكانية الوصول السريع والأمن، ودون عوائق للمساعدات الإنسانية.

- خامساً، ضمان سلامة المواطنين الأجانب في أوكرانيا، والسماح لهم بمغادرة آمنة، ومساعدتهم على العودة إلى بلدانهم.

- سادساً، دعم الدور التنسيقي للأمم المتحدة في توجيه المساعدات الإنسانية، وأعمال تنسيق الأمم المتحدة لأزمة أوكرانيا. وستواصل الصين العمل للحيلولة دون وقوع أزمة إنسانية. وستقدّم جمعية الصليب الأحمر الصينية لنظيرتها في أوكرانيا دفعة من الإمدادات الإنسانية الطارئة في أقرب وقت ممكن.
 
وفي هذا السياق لا بدّ من الإشارة إلى أنّ جمعية الصليب الأحمر الصينية تبرعت بقيمة 5 ملايين يوان (نحو 800 ألف دولار) من الإعدادات الإنسانية الطارئة، وتشمل الأغطية وحليب الأطفال والألحفة وغيرها، إلى جمعية الصليب الأحمر في أوكرانيا.

 وفي 21 آذار، أعلن موقع "ون بين"، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية، أنّ الصين ستوفر 10 ملايين يوان إضافية (نحو 16 مليون دولار) من المساعدات الإنسانية لأوكرانيا.