Advertise here

شمعةُ المزار

26 آذار 2022 13:00:36

في كلّ مرّة التقيتُها، كنتُ كالمسحورة المحظوظةِ، الداخلةٍ فلكًا من جمال، وأنس، وثقافة، وهيبة.
لا تستطيع، بعد أن تقابلَها، إلّا أن تشعر بفيض حالم، يأخذك إلى منبع صافٍ رقراق، فيه من ألق العينين تدرّجُ ألوان، وكأنّك، في نعيمٍ، مقيم.
يصعب الكلام إن كان محوره السيّدة نازك أبو علوان عابد.
وتحتار الألقاب اللّائقة في ما تمثّله، فكيف إذا كانت المناسبة غيابًا في الظّاهر، وانتقالًا إلى خلود.

وبما أنّ تسمية الفقيدة هي من الافتقاد، فمن هو مُفتقد أكثر منها في كلّ بيت، ومدرسة، وندوة، ولقاء ثقافيّ، أو تربويّ، أو عمل خيريّ، أو في وضع دراسات ومقالات هادفة، وروايات، وكتابة خواطر  لا تخطر إلا في بال المتنوّرين والحكماء؟

كم يصعب غيابكِ أيّتها المتألقة طيبة وأخلاقًا وتفاؤلًا وإصرارًا على الحياة بأبهى معانيها، كيف لا وأنت المتعبّدة في محراب التوحيد، السّائرة أبدًا على خطى المعلّم كمال جنبلاط، وقد احتضنتِ تعاليمه، وتوافقتِ ومبادئَ حزبه ونظريّاته، فلا عجب إن كانت يداك أوّل الحاضنتين رأسه النازف، حين هوى الجسد وقت الاستشهاد، وكأنّك المكرّمة أبدا برفقته في الحياة وعلى عتبة الانتقال، ولتكوني من القلائل الذين حملوا مشعله بصمت، ومهابة، وإصرار، وتواضع معًا.

ومن لا يعرف السيّدة نازك؟ ومن لا يلهج لسانه بحبّها، وذكر فضائلها عليه؟

رافقتْنا مذ كنّا طلّابًا في المدرسة، وإلى حين الانطلاق في الجامعة، ثمّ واكبتنا في الاتّحاد النسائيّ التقدميّ، فشجّعت 
الفتيات على التعلّم والانفتاح.

وقد كانت من الطليعيّات في زمنها، فأنهت، بذكاء متوقّد، اختصاصها الجامعيّ ونالت درجة الدكتوراه، في وقت كان العلم مقتصرًا على قلّة قليلة من الناس، فكيف بالفتيات في مجتمع محافظ. وما لبثت أن أسّست صرحًا علميًّا إلى جانب رفيق دربها الراحل الأستاذ فوزي عابد.
كلّ بيت في الجبل يعرفها، وحكاياتها في مواكبة الطالبات والطلّاب ستبقى متداولة لوقت طويل، أمّا صبرها وحكمتها في مواجهة الأقدار التي اختطفت ابنها الشاب هشام، فتُنسج عنها روايات في كيفيّة تحويل الألم والمرارة إلى طاقة حبّ وإيمان بالحياة.

مهما كرّمناك أيّتها الحبيبة السيّدة نازك، دولة، وحزبًا، ومجتمعًا مدنيًّا، سنكون مقصّرين، ولكنك ستبقين أبدًا شمعة في"المزار"  لا تنطفىء وقت المحن، بل تتّقد لتنير الدّرب لكثيرات يسرن على طريقك المزهر في ظلال "شجرة الجوز" .

  أمّا غابة الأرز في الباروك، والتي رعتك طفلة، وشابّة منطلقة إلى أحلامها، فإنّ شلوح شجرها اللّيلة ستهتزّ إجلالًا ومهابة، مواكِبةً الروح السّامية في الصّعود الأخير.
 

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".