من أوكرانيا الى الخيام

25 آذار 2022 12:34:54

سجن الخيام في جنوب لبنان من آثار مراكز التعذيب الاسرائيلية التي مارست واعتقلت فيها قوات الاحتلال المئات من اللبنانيين الوطنيين الشرفاء الذين دافعوا عن أرضهم وأهلهم وكرامتهم وحقهم في الحياة ورفضوا انتهاك سيادة بلادهم ووحدة أراضيها وسلامتها.

 في هذا السجن كانت أساليب التعذيب رهيبة، ومرعبة. أراد من خلالها الاسرائيلي وعملاؤه اللبنانيون فرض إرادتهم على المقاومين وأهلهم وابتزازهم وكسر إرادتهم لتثبيت احتلالهم.

الأسرى المحررون من السجن بعد التحرير بفعل المقاومة وجهادها وشهدائها وجرحاها وأهلها من 1948 حتى عام 2000 رووا روايات لا تصدق عن الإجرام والكره والحقد الذي مورس ضدهم.

 وكلما فشلت اسرائيل في تحقيق أهدافها كلما ابدع إرهابيوها في الجيش وفي أوساط عملائهم في التعذيب والترهيب. المحررون الأبطال كانوا في السجن أقوى وأصلب وأشد عزيمة وصبراً وصموداً وإرادة من الجلاّدين.

كانوا واثقين أن اسرائيل ستندحر، وستخرج ذليلة وهم سيخرجون كباراً مكرّمين مرفوعي الرأس ورافعي رأس لبنان ورموزاً للنضال لهم موقعهم في سجلات تاريخ صراعنا معها.

 أثناء اعتقالهم كنا في لجنة متابعة قضية المعتقلين في السجون الاسرائيلية مع مجموعة من الأسرى المحررين نقوم بشيئ من الواجب لإبقاء القضية حيّة، وإثارتها في كل المحافل والمنتديات وتكوين رأي عام مدافع عنها، انطلاقاً من إيماننا بأن هذا فعل مقاومة يتكامل مع العمل العسكري ضد الاحتلال وقواته لينال الأسرى حريتهم.

وصلت القضية الى مجلس حقوق الانسان في جنيف، وكان التواصل مع الأسرى داخل سجون الاحتلال من خلال الصليب الأحمر الدولي. وكذلك من خلال وسائل الإعلام التي كانت تغطي تحركنا ومواقف كل المؤمنين بالقضية في أكثر من مكان. ولا أنسى الضغوطات ومحاولات العرقلة لعملنا من هنا وهناك وأحياناً التهديدات، كما لا أنسى الحملات الاسرائيلية الضاغطة على المؤسسات الدولية في محاولات مستمرة حتى الآن مع الفلسطينيين لطمس الحقائق وعدم كشف أي معلومة عن الممارسات الإرهابية والتعذيب النفسي والجسدي الذي يتعرّض له الأسرى.

بعد التحرير، وبمناسبة الذكرى الأولى انعقد مؤتمر وزراء الإعلام العرب في بيروت تكريماً للبنان وانتصاره حضره كل الوزراء وأمين عام الجامعة العربية، واستلمتُ رئاسته بصفتي وزيراً للإعلام في الحكومة اللبنانية أعددنا برنامجاً متكاملاً للمناسبة ولإعطائها حقها والاستفادة من وسائل الإعلام اللبنانية والعربية والدولية التي غطت المؤتمر.

 من ضمن البرنامج كان ثمة زيارة للجنوب، وبالتحديد لمعتقل الخيام الذي تحوّل الى متحف، الى معلم.

ذهبنا مع الوزراء وكان شرح تفصيلي لهم من قبل الأسرى المحررين حول ممارسات الاحتلال وعملائه بالصور والوثائق والأدوات والأساليب التي كان تستخدم، والمعاناة التي كان يعيشها الأسرى، ولا أنسى مشهد الذهول الذي أصاب الوزراء ومرافقيهم.

 هي المرة الأولى التي يطلعون فيها مباشرة على شيء من هذا القبيل على بعد أمتار من الاحتلال. مشهد الذهول الثاني كان عندما خرجنا من المعتقل وذهبنا في جولة لاطلاع الوفد على واقع القرى والحدود مع الاحتلال، وذلك عندما هرع جنود الاحتلال على بعد أمتار منا لإطلاق صفارات الإنذار وحركوا آلياتهم ولم يصدق الوزراء العرب ومرافقوهم أنهم أمام الاحتلال مباشرة. ذهلوا. وبعضهم انتابه قلق واضح.

كانت مظاهرة ثقافية سياسية إعلامية مهمة.


لماذا العودة الى الخيام الآن؟؟ ما المناسبة والعالم كله منشغل بأوكرانيا وأزمتها وجزء كبير من هذا العالم يحشد قواه وكأننــــا ذاهبون الى حرب عالمية ؟؟


في الجواب عنوانان متلازمان . أولاً نحن لا ننسى قضايانا وهمومنا ومعاناتنا وحقوقنا ومعركتنا مع الإرهاب الاسرائيلي، في متابعتنا لأحداث العالم كله. عنوان مبدئي: يجب أن تبقى الذاكرة حية وألا ننسى تاريخنا لنعرف كيف نتعامل مع واقعنا وكيف نخطط لمستقبلنا والصراع مع اسرائيل لما يزال مفتوحاً، والعنوان الثاني هو الحدث الأوكراني وما صدر في ظله من معلومات من قبل اسرائيل،  فقد اضطر المسؤولون الاسرائيليون وتحت ضغط كبير الى الإفراج عن وثائق لدى جهاز المخابرات العامة " الشاباك " تؤكد إرتكاب دولة الإرهاب المنظم جرائم حرب خطيرة في سجن الخيام، ومارست أساليب تعذيب رهيبة شملت استخدام ضربات كهربائية والتجويع ومنع العلاج الطبي والاعتقال لفترات غير محددة من دون إجراءات قضائية.

وشبّهت المديرة العامة السابقة لمركز الدفاع عن الفرد داليا كيرشتاين التي ساهمت في عملية الضغط، تلك الممارسات ب "إحدى البقع السوداء" في التاريخ الاسرائيلي ف "الانسحاب من لبنان لن يكون كاملاً حتى تكشف دولة اسرائيل عن جميع ممارساتها هناك والى حين تواجه اسرائيل ماضيها هناك" كما قالت. أمّا المحامي ايتاي ماك الذي قدّم باسم مجموعة ناشطي حقوق الانسان الى المحكمة العليا الاسرائيلية للحصول على معلومات التي كشف جزء منها، فقال لصحيفة "هآرتس": "إن الجيش الاسرائيلي والشاباك أدارا مع جيش لبنان الجنوبي منشأة اعتقال وتعذيب مشابهة لتلك التي أقامتها ديكتاتوريات عسكرية في أميركا اللاتينية، وأن عمليات التعذيب التي مورست هي جريمة ضد البشرية. الوثائق صادمة، وتشكل نظرة سريعة فقط الى جهنم التي مورست هناك"!! إحدى الوثائق موقعة من مدير السجن تقول: "الأسرى تعرضوا للتجويع، وأعلنوا الإضراب احتجاجاً على نقص الطعام". وثيقة أخرى تحدثت عن "الاكتظاظ البالغ في السجن"، ووثيقة ثالثة كشفت "تعذيب النساء أثناء التحقيق معهن بضربات كهربائية في الأصابع!!