ويبقى الملهم للنضال الوطني من أجل السيادة والقرار الوطني المستقل.
كأنما أمّةٌ في شخصكَ اجتمعتْ، وأنتَ وحدك في صحرائها المطَرُ
أَظُنُّها طلقاتُ الغدْرِ حينَ هَوَتْ تكادُ لو أبصرَتْ عيْنَيْكَ تَعْتَذِرُ
(الشاعر شوقي بزيع)
باقٍ وأعمار الطغاة قصارُ
من سِفر مجدك عاطرٌ نوّارُ
العمرُ عمرُ الخالدين يمُدّهُ
فلك بطيب نقاهمُ دوّارُ
(الشّاعر محمّد مهدي الجواهري)
في هذا المنحى الأرضي، ستظل مواطئ أقدامٍ لعابرٍ غريبٍ تقول: من هنا مرّ إنسانٌ يدل على الطريق… لكن هيهات لأبناء الطين أن يدركوا الحقيقة في أبناء اليقين، إلّا خيال رؤيا”.
(العلامة الشيخ عبداللّه العلايلي)
في الذكرى الخامسة والأربعين لاستشهاده المنير يبقى المعلّم كمال جنبلاط ملهم النضال الوطني من أجل العبور بلبنان من دولة الطوائف إلى دولة الوطن الموحّد، وباللبنانيين من رعايا طوائف إلى مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات... ومن دولة "الخاطرشان والتنفيعات"، كما كان يسمّيها، إلى دولة القانون والمؤسّسات وحقوق الإنسان... دولة "المواطن الحر والشعب السعيد" التي لا ميزة فيها لامرىءٍ على آخر إلّا ميزة المعرفة والنشاط.
وسيبقى "المعلّم" الشهيد كمال جنبلاط ملهم النضال الوطني من أجل السيادة والاستقلال والقرار الوطني الحر... من أجل أن يكون العلم والعمل والخبز، والحريّة والدواء والاستشفاء والمسكن، حقاً مكتسباً لجميع المواطنين.
ملهم النضال الوطني ضد هذا الاستعمار الداخلي المتمثّل بالاحتكار: احتكار غذاء الفقراء ولقمة عيشهم، احتكار استيراد الدواء والمحروقات ومشتقاتها كافة، والذي يستأثر وتتحكم به "مافيات" وجهاتٍ معروفة.
هذا الاحتكار، وهذا الاستئثار من قِبل فئة محدودة ومعروفة أذلّ السواد الأعظم من الشعب اللبناني وأفقره، وهدّده بالفقر والجوع والحرمان من أبسط مقوّمات العيش الحر العادل بحيث بدا، ويبدو، وكأنّ البلد بات مخطوفاً وأنّ الخاطف معروفٌ، وأنّ السلطة القائمة، والمتمثّلة بمن لم يعد خافياً على أحد، شكّلت وتشكّل قناع "البسّية برباره" للذين أمعنوا في عزل لبنان عن محيطه العربي المتمثّل بالمملكة العربية السعودية، وبدول الخليج العربي، التي يعمل ويعيش فيها ما يزيد على نصف المليون من أبناء الشعب اللبناني العامل، الصابر، المناضل. وما يجب أن نعرفه أنّ لبنان هو بلد مؤسّس لجامعة الدول العربية من شهر آذار سنة 1945.
إنّ المرحلة المقبلة هي، وتبقى، مرحلة النضال من أجل استعادة الدولة السيّدة الحرة، العادلة، ومن أجل التأكيد على القرار الوطني المستقل، وعلى ضبط الحدود السائبة المشرّعة لكل أنواع التهريب والاستباحة... فيعود لبنان، كما كان عبر تاريخه، مرتكز انطلاق الحركة التحرّرية الاستقلالية، وموطن الكفاح والطموح، ومستقر النهضة العربية في الحقلين الأدبي والسياسي.... ونعود في هذا الجبل على الأخص، نشعر ونعيش وكأنّنا أبناء عائلة واحدة متآخية، متضامنة في السرّاء والضرّاء. وكذلك في كل أنحاء هذا الوطن الصغير - الكبير، وطن الرسالة - المثال...
فإلى متى يريدوننا أن نعيش زمن المنطق المغيّب والذاكرة الوطنية المفقودة؟