Advertise here

من جبل الباروك... جبل المعلّم الشهيد... رسالة إلى روحه

16 آذار 2022 19:37:31

بين كانون الأول وآذار، مضى شهران على رسالتي لك معلّمي...الآن أعاود الكتابة!
لا، لم أفقد الأمل! لقد رأيت الأمل معلّمي، وأستطيع أن أخبرك عنه هذه المرة. رأيته في وجوه رفاقي. في سعينا جميعاً لكي تنتصر. لكي تبقى ذكراك نوراً يأخذنا من كهوف الشرق، من مستنقع الشرق إلى الشرق الجديد... الشرق؟؟

 نعم!! هذا الشرق الذي لطالما حلمتَ به معلّمي... لقد رأيته في ما تبقى من أمل نستمدّه جميعاً من دارك... لقد رأيته في رغبة الجميع، و الجميع دون استثناء، من الشباب والشابات بأن يحدث التغيير. وإذا الشعب أراد يوماً التغيير، فهو سيحدث لا محال!
 
جبلك اليوم، جبل الباروك اليوم، يبكيك معلمي!! يا من كنتَ الخير، كل الخير له و لأبنائه!! غيّبوك معلّمي، ولكنهم غيّبوا جسداً فقط، إنّما روحك باقية. وأستطيع أن أجزم ذلك، فأنا أعلم لمن أكتب هذه الرسالة... إنّني أكتبها إلى روحك الطاهرة معلمي!!! تلك التي بقيت فينا، في كل نفسٍ تريد التغيير والصمود... في دار العزة والكرامة، بقيت هناك مع الفلّاحين، والعمال، والمعلّمين، والمهندسين، والأطباء، والطلاب الجامعيين، مع شعبك معلّمي. طيفك معلّمي لم يغِب، بل بقي معنا وتحوّل إلى جسر عبور من الشرق الذي يريدونه هم، وذلك الذي تريده أنت!! وحتماً سنعبر.
 
في كانون كانت رسالتي لك عبارة عن أمل محمّل بالوجع. قلت لك يا ليتك لم تغِب. يا ليتك معنا. يا ليت صوتك ما زال الرقم الصعب على صدى المنابر! لقد أخبرتك عن لبنانك، وقلت لك إنّك لن تعرفه، فوجهه أصبح غريباً عنا كلّنا! لم نعد نألفه ولم يعد يألفنا... حتى علمه، وتلك الأرزة التي تعيش في جبلك الأخضر معلّمي، ما عدنا نحن من نحمله و نرفعه علماً واحداً فقط لا غير!! أصبح هو من يحملنا، وأرزته على قوّتها تميل من ثقل هموم الشعب. لقد شكيت لك هموم شعب لبنان العظيم وما فعلوه بنا!!! لقد أخبرتك بكل شيء، ونسيت من ثقل حزني على وطني وشعبه أن أخبرك أهمّ شيء!!
 
في آذار معلمي، أعاود الكتابة لك، لأخبرك ما نسيته. لقد قلت لك إنني أتمنى أن أطمئنك عن لبنانك، وأنّ لبنان الذي أحببته ليس بخير، وطلبت منك أن تسامح شعب لبنان العظيم الذي لبس ثوب الكراهية والطائفية وأبى أن يخلعه. ولكنني نسيت أن أخبرك أنّنا سنبني لبنان من جديد!! أبناؤك معلّمي، أبناء الحياة لا يعلمون معنى اليأس والخضوع!! لن نخضع. لن ننحي لأيٍ كان!! أنت من علّمنا ذلك معلمي، فإن لم نتعلّم هذا الدرس فسلامٌ على تاريخنا، ولن يكون هناك ما ندعوه بمستقبلنا.

 نسيت أن أخبرك أن شعب المعلّم، شعب الحياة والعلم والتقدّم والفكر، لن يُخضعوه مهما جار علينا الدهر، فنحن أصلب من أن نُكسر وأقوى من أن تميلنا رياحٌ عاتية تهب من هنا وهناك. سوف نصمد ونقاوم، وهذه السنة سنثبت لك ذلك!!! ما نسيتُ أن أخبرك به هو أن الأمل ضئيل. نعم، ولكنّ أملنا نحن بفكرك وبحلمك هو ما سيجعل المستحيل ممكناً، وأنّ دارك يا صاحب الفكر العظيم ستردّد اسمك حتى آخر رمق، وليصل ذلك إلى كل حدبٍ وصوب لنقول لهم :"لا، لم ننسَ. حلم معلّمي رهين الوقت فقط، ونحن الشباب صانعو القرار مَن سيجعل من الحلم حقيقة، نعيشها كل يوم! انظروا لنا، نحن شعبٌ يجيد معنى الحياة، ولن تثنيه محاولاتكم عن التمسّك بفكر معلّمه وقلمه، وعن ذلك الجسر الوطيد فحتماً سنعبر، وحتماً سنصل، ذلك فقط رهين الوقت، وليس رهين قيودكم أبداً!!"
 
ختاماً معلّمي، أود أن أقول لك بأنّك تستطيع أن تطمئن! لا بل أود أن أعدك بذلك! أنتَ من كتبتَ تاريخ لبنان بقلمٍ ذي عزيمة صلبة لا تهزّها رياحٌ من أي حدبٍ وصوب. ولكن، مَن سيكتب مستقبل لبنان؟ سأقول لك!! معلّمي، ما نمرّ به ليس بسهل، ولكن إرادة شعبك وقوته سوف تجرف معها كل أشكال اليأس أو الإحباط، بما فيها أشكال الظلام! نحن شعبٌ لا يُكسر معلمي. أليس هذا ما علّمته لنا في كتبك؟ كنتَ قد قلت لك سابقاً إنّ قلمك لن يتوقف عن دق دقات قلب الزمن، وأنّه سيصبح قلم كل إنسانٍ شريف. الآن أقول لك ذلك قريبٌ جداً. جداً جداً سوف تسمع صوتك يتردّد على صدى المنابر وسوف نعمل جاهداً مِن أجل ذلك...

أمّا رسالتي إلى رفاقي فستكون دعوة محملة بالحب... دعونا نعود إلى فكر المعلّم وقلمه. أرى الحيرة على وجوه كثيرين منكم، وكلّنا نسأل السؤال ذاته: "من أين أبدأ يا ترى؟" لقد أخذوا منا كل شيء. أعلم ذلك، ولكنّهم حتى هذه اللحظة لم يأخذوا منا إرث المعلّم وحكمته وكتبه. دعونا نبدأ من هناك، من "ثورة في عالم الإنسان". دعونا نفتح هذا الكتاب ونبدأ بتطبيقه بحذافيره، عندها، فقط عندها، سنثبت لهم أنّ كل أشكال اغتيال الأمل وإرادة الحياة فينا لن تنتصر، إنما معلّمي، وفكره، وعلمه، هم من انتصروا، لأنّه سيبقى فينا، وحتماً سينتصر!

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".