تختلف معاني ذكرى 16 آذار من شخصٍ إلى آخر، ومن جهة إلى أخرى على الرغم من القواسم المشتركة الكثيرة.
فمنهم من يذهب في حنينه إلى ذكريات أيام النضال النقي، ومنهم مَن تغمره مشاعر الأسف، أو حتى اليأس، لتبدّد حلماً كان أقرب إلى الواقع قبل اغتيال المعلم.
وهناك من يستغل الفرصة كي يوجّه سهام الانتقاد للقول، "أين أنتم اليوم من تعاليم كمال جنبلاط؟" كما لا يخجل البعض الآخر المتطرف من القول إننا لا نتذكر المعلّم سوى في ذكرى استشهاده.
بعيداً عن العواطف والانفعالات والسجالات الفارغة، 16 آذار هي ذكرى لتذكير البعيد والقريب بأنّ اغتيال تلك القامة الوطنية والعربية لم يكن نابعاً من مجرد حقد أعمى، أو بهدف إنهاء دور البيت الجنبلاطي العريق، أو من أجل ضرب وتحجيم دور الدروز، أو فقط من أجل تأجيج النعرات الطائفية التي تلت ذلك اليوم المشؤوم واستمرت خلال الحرب الأهلية الأليمة.
اغتيال المعلّم كمال جنبلاط هو اغتيال لمشروع قيام دولة سيدة حرة مستقلة علمانية وعربية، تقوم على أسس العدالة الاجتماعية، وعلى التقدم الفكري والاقتصادي والثقافي. ومن ناحية أخرى يمثّل هذا الاغتيال تكريساً لسطوة أنظمة شمولية، قمعية، إلغائية متخلفة واجهناها في الماضي، وما زلنا نواجهها حتى اليوم حيث يتمّ تصفية كل من يمثّل مشروعاً لقيام لبنان الدولة.
ذكرى 16 آذار هي للتذكير بأن المبادئ لا تموت، وبأنّ الفكر لا يندثر، وبأنّ نهج المعلّم يجب أن يكون ممارسة يومية، وبأنّ مشروع كمال جنبلاط لبناء دولة الإنسان هو مشروع نضال مستمر لم يتوقف في العام 1977، ولن يتوقف قبل تحقيق الأهداف المرجوة .
وهي أيضاً مناسبة لتذكير الرفاق بأنّك إذا أردتَ أن تغيّر العالم فابدأ بنفسك، و"كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم" (غاندي). وها هو أوان التغيير قد حان.
ولمن تاهت اتجاهاتهم، ودغدغت عواطفهم رياح التغيير العبثية التي تسير بهم نحو المجهول، نقول تذكّروا أنّ الهدف الأسمى هو الدولة، تلك الدولة التي استشهد من أجلها المعلم.
أخيراً ستبقى معلّمي حياً في ضمائر الأحرار، وستبقى ذكرى استشهادك يوماً لتجديد العهد بالنضال من أجل مواطن حر وشعب سعيد.