Advertise here

كي لا نعود إلى السجن الكبير

16 آذار 2022 09:35:51

يوم غادر قصر المختارة ظهر ذاك اليوم، كان الوطن الصغير على المقصلة مستباحاً على مذبح مصالح الدول في حربٍ أكبر بكثير من قدرته على الصمود، وكان الأرض المحروقة قد دفعت الأثمان الكبيرة نيابة عن الجميع.

غادر كمال جنبلاط، وكان يعلم أنّ طريقه غير آمنة، وأنّ إمكانية العبور نحو الشريك في الوطن باتت شبه مستحيلة. كان يرغب بتجنيب بلده حفلة الجنون، لكن العواصم أقفلت أبوابها، وكان قد اتُّخذ القرار بتسليم لبنان.

اغتيل كمال جنبلاط في ذلك اليوم الأسود ليدخل لبنان السجن العربي الكبير، ويختفي ذاك الضوء المشعّ من بلد التعايش والرسالة، وبلد الانفتاح والنموذج. ففي ذلك اليوم أيضاً سقط لبنان مستشفى الشرق، وجامعته، ومرفأه، ووجهته السياحية، وسقطت فرص النجاة.

كان كمال جنبلاط بقامته الكبيرة، ودوره الذي يمكن أن يغيّر بوصلة البلد في أي لحظة، حجر عثرة أمام مشاريع خطف لبنان أكثر وانزلاقه نحو المجهول. صحيح أنّه دخل الحرب حالِماً بمشروع الدولة المدنيٌة المتحرّرة عبر برنامج الحركة الوطنية، لكنه أدرك لاحقاً أنّ الاستثمار الإقليمي والدولي تعاظم ولا بد من طريقٍ للعودة. وقد قال لألبير منصور وهما عائدين من مصر إلى بيروت، بأنّنا بحاجة إلى جسر نحو الفريق الآخر في البلد. كان ذلك عشية الاغتيال، وكان ما كان. 

ما أشبه اليوم بالأمس. البلد على حافة الجحيم من جديد. لبنان لم يعد مرةً جديدة مستشفى الشرق، وجامعته، ومرفأه. ومرةً جديدة لا قرار للدولة المركزية السيّدة والمستقلة. الشعب يأكله الفقر والعوز كما خزينة الدولة، ومستقبل البلد رهينة المفاوضات الدولية والإقليمية، ويبدو كأسهل ضحية في لعبة المقايضات.

لبنان على أبواب سجنٍ كبيرٍ جديد، والمواجهة أكبر بكثير، وربما تكون الانتخابات المقبلة فرصةً لن تتكرّر للحفاظ على وجه لبنان العربي، كما السيّد، والحر، والمستقل.

لكن البلد المأزوم والمخطوف يحتاج أيضا للإصلاح الحقيقي، وقد كفرت الناس بعيشها، وفي رحلة بحثها اليومي عن رغيف الخبز وأسخف مقوّمات الحياة والخروج من النفق، يحتاج لدولة قادرة على اتّخاذ القرار وانتزاع الفساد، واستعادة ثقة الناس، وتأمين الحياة الكريمة لهم.

هذا التحدي قد يكون الأخير كي لا ندخل نادي الشعوب المتخلفة... وكي لا نعود إلى السجن الكبير.