الزمان: ربيع 1951. المكان: المختارة. كمال جنبلاط عائدٌ من أسبوع صاخب في بيروت كالمعتاد. أتى ذلك بعدما عدّل نظام الاستقبالات والمراجعات وحدّدها بيومي الثلثاء والخميس في العاصمة اللبنانية، في مقابل استقبال المراجعين في قصر المختارة يومي السبت والأحد. استجدّت هذه التبدلات على حياته بعد وفاة والدته الست نظيرة. كانت العائلة انتقلت إلى شقّة فسيحة في رمل الظريف. إنه يوم الجمعة المخصّص للتأمُّل بعيداً عن الضوضاء في المختارة. تبدو الحاجة مهمّة لجلسة مع الذات على مشارف استحقاق الانتخابات النيابية التي يعلّق عليها كمال جنبلاط وحلفاؤه آمالاً كبيرة، على الرغم من التحديات القائمة في ما بدا للمعارضة أنه سعيٌ للقوى والأحزاب الحاكمة لتفتيت مساعيها والحدّ من اندفاعتها الانتخابية. تتّجه حسابات جنبلاط والحلفاء إلى نقل مركز التنافس الانتخابي إلى دوائر جبل لبنان خصوصاً، باعتبارهم أنّ المعارضة تمتلك ظروف قلب المعادلة اللبنانية انتخابياً من خلال توفّر أسباب الفوز على صعيد هذه الدوائر تحديداً.
ها هي اللائحة تتشكّل على صعيد دائرة الشوف الانتخابية بعد عصارة مشاورات. تضمّ إضافةً إلى كمال جنبلاط، كلّاً من كميل شمعون وغسان تويني وراجي السعد وأنور الخطيب وسالم عبد النور واميل البستاني وشفيق الحلبي وفضل الله تلحوق. يبرز استعداد القوى المعارضة للمواجهة في دائرة بعبدا - المتن الانتخابية أيضاً، بحيث تُرشِّح كلّاً من بيار اده وعبدالله الحاج وديكران توسباط. تأتي النتائج بحسب آمال كمال جنبلاط وحلفائه المعقودة. المعارضة تفوز بخمسة مقاعد من أصل تسعة في الشوف. النتائج المشجّعة للمعارضة تنعكس أيضاً على صعيد جبل لبنان ككلّ. تراجعت مقاعد الدستوريين. في دوائر جبل لبنان، ربحوا 15 مقعداً فحسب. وحزّ في نفوس الدستوريين خصوصاً أنهم لم يتمكّنوا من الحؤول دون انتخاب بيار اده في دائرة بعبدا - المتن. في المقابل، برز فوز محور الكتلة الوطنية وحلفائها يومذاك أيضاً في طرابلس والكورة. كما فازت لائحة الكتلة الوطنية بالمقاعد الأربعة في عكار. "على عتبة النصر" عنوان مقال موقّع بقلم كمال جنبلاط في 20 نيسان 1951 في "الأنباء" يحلّل فيه نتائج الانتخابات، معبّراً عمّا سمّاه تحقيق نصر مهمّ في "معركة الحريّة". رسّخت الانتخابات دليلاً مقنعاً يومذاك لدى زعيم المختارة، بأنّ النصر لا يتمّ إلا من خلال التكاتف بين القوى والأحزاب التي يستند نشاطها إلى مبادئ دقيقة وإلى منهجية صائبة.
الزمان: 16 آذار 2022. الذكرى 45 لاستشهاد كمال جنبلاط في مرحلة تعقد فيها القوى والأحزاب السيادية الرهان على "نصر" انتخابي واستعادتها أهداف "معركة الحرية". المحطة الانتخابية تبدو مشابهة للعام 1951. المكان: المختارة. التحضيرات تواكب الدعوة للقاء الشعبي السبت المقبل في القصر التاريخي. وتحلّ ذكرى الاستشهاد هذه السنة في مرحلة يرى فيها مفوّض الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي صالح حديفة مشاهد شبيهة بتلك التي سبقت مرحلة الاغتيال عام 1977 عندما أرادوا إدخال الشعب اللبناني إلى السجن الكبير. إذ تتكرّر هذه الصورة اليوم مع محاولات استيلاء المحور "الممانع" على الدولة والإطباق على الحياة السياسية، وسط معطيات عديدة تتوافر لدى القوى السيادية عن نيّة الممانع الاستحواذ على ثلثي مقاعد مجلس النواب في الاستحقاق المقبل، ما يعني الإمساك بمختلف الاستحقاقات المقبلة، اضافة الى الواقع الأمني الذي تتحكّم "الممانعة" بالعديد من مفاصله. ومن هنا، يشير حديفه إلى أهمية التحضير للمعركة الانتخابية المقبلة على قاعدة منع تكريس الهيمنة ومنع الإطباق على سيادة البلاد، وينطلق التقدمي في ذلك من العناوين التي حملها مؤتمره العام قبل أشهر حيث كان التأكيد على أنه ما من إصلاح بلا سيادة. ويؤكد حديفة لـ"النهار" على رمزيّة إحياء ذكرى استشهاد كمال جنبلاط كلّ عام، كمهرجان شعبيّ سياسي وطني بصرف النظر عن أي استحقاق انتخابيّ، بل هو محطة سنوية تؤكد استمرارية المعركة من أجل لبنان الحرّ المتعدّد، لبنان الدولة والمؤسسات.
وإذا كانت المناسبة تتقاطع هذه السنة مع حدثٍ انتخابيّ كبير بمعانيه ودلالاته وقد حملت الدعوة اليها شعار "معاً صمدنا، معاً نبقى، ومعاً نسير الى غد جديد"، فإن حديفة يؤكد أن هناك تحديات أساسية تتزامن مع الاستحقاق الانتخابي لجهة العمل المطلوب لحثّ الناخبين على المشاركة ولتوضيح صورة المعركة القائمة خصوصاً أن حالة الإحباط مرتفعة عند الناس. ويواجه التقدمي كما سائر القوى الحليفة معركة سيادية بامتياز دفعت تكلفتها بالدم بدءاً من اغتيال كمال جنبلاط إلى اغتيال رفيق الحريري ومحطة "انتفاضة الاستقلال" في 14 آذار 2005، فمرحلة الاغتيال الاقتصادي. واذ يشير حديفة إلى ان اجتماعا انعقد للماكينة المركزية الانتخابية بحضور رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب تيمور جنبلاط السبت الماضي، يوضح انه جرى خلاله تحديد عناوين العمل الأساسية والاطلاق لعمل الماكينة ومناقشة بعض التحديات وكيفية معالجتها. ولم يحسم التقدّمي كامل الترشيحات بعد بانتظار مشاورات الساعات الأخيرة، علماً أن غالبية الطلبات كانت قدّمت في الأيام الماضية. ويخلص حديفة إلى أن أهمية الانتخابات هذه السنة تتمثل في أنها تشكل معركة حقّ، ومعركة شعب يطلب استعادة وجود الوطن والدولة الحقيقية التي تؤمن الحقوق والحاجات الأساسية، وذلك لا يكتمل الا من خلال استعادة السيادة أولاً، بما يتجاوز العناوين الاعتيادية أو الروتينية للانتخابات كموعد يتكرّر كلّ 4 سنوات بذاته