التوقّع بتأجيل إعطاء واحدة أو أكثر من بطاقات الدعم إلى ما قبل الانتخابات النيابية، منذ أكثر من عام، وُصف بالدعاية السلبية. بيد أن السلطة السياسية لا تكذّب تكهّناً متشائماً، فها هي على مشارف الانتخابات "تقوي النار" تحت "طبخة" المساعدات الإجتماعية، فـ"تُنضج" بطاقة المشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الاجتماعي، "الطافية" على وجه القروض الدولية، و"تحرق" البطاقة التمويلية.
بمؤتمر صحافي في السراي الحكومي أعلن وزير الشؤون الاجتماعية انطلاق مرحلة الدفع لبرنامج أمان. حيث سيستفيد نحو 147 ألف أسرة (786 ألف فرد) من تحويلات نقدية لمدة عام حدها الأقصى 145 دولاراً أميركياً (25 دولاراً كمبلغ ثابت للأسرة الواحدة، و20 دولاراً عن كل فرد، 6 أفراد كحد أقصى). سيتم اختيار العائلات المستفيدة من بين 582825 ألف أسرة تسجّلت على شبكة "دعم" للإستفادة من برنامجي "أمان" و"البطاقة التمويلية". وذلك على أساس "تقييم يختار الأسر الأكثر حاجةً بطريقة مُمَكننة وبدون أي تدخل بشريّ"، بحسب ما نشر على موقع وزارة الشؤون الاجتماعية.
75 في المئة من دون حماية
عدد العائلات المحتاجة التي لن يطالها الدعم يبلغ 435825 عائلة، تشكل 75 في المئة من مجمل الأسر المسجّلة على شبكة "دعم". الأمر الذي يسخّف "الطنة والرنة"، التي رافقت بدء تنفيذ برنامج "أمان" المعلّق تنفيذه منذ 12 آذار 2021، أي منذ أكثر من عام بحجج واهية. هذا من ناحية الشكل، أما في المضمون فإن المبلغ المعطى للعائلة فَقَد أكثر من 50 في المئة من قيمته، ولم يعد كافياً لتعبئة 4 صفائح مازوت تقي الأسرة شر البرد لـ15 يوماً كحد أقصى. وإن كان من المستحيل زيادة مبلغ الدعم المقرر سلفاً من البنك الدولي والمحدد بـ246 مليون دولار لمدة سنة، فقد كان من الأجدى البدء بتنفيذ القرض في بداية العام 2021، وأن يكون آذار الحالي تاريخ الانتهاء من التنفيذ وليس البدء به"، برأي المشرف السابق على خطة لبنان للاستجابة للأزمة عاصم أبي علي، "ولا سيما أن التأخير في بدء التنفيذ لم يكن مبرراً، والوزارة الحالية لم تدخل أي تعديلات جوهرية على آلية العمل الموضوعة سابقاً، والتي لم يكن ينقصها إلا إكمال الزيارات المنزلية". مع العلم أنه من غير المعلوم على وجه الدقة إن كان فريق العمل قد أتمّ جميع الزيارات.
الدعم لم يعد نافعاً
عند إقرار قرض شبكة الحماية الاجتماعية في مجلس النواب في آذار 2020 كان سعر صرف الدولار يبلغ 12 ألف ليرة، وكان سعر صفيحتي البنزين والمازوت يبلغ 40400 ليرة و27500 ليرة على التوالي، فيما وصل سعرهما اليوم إلى 463000 ليرة و489000 ليرة. وكانت ربطة الخبز من الحجم الكبير زِنة 960 غراماً تباع بسعر 3000 ليرة لبنانية، فيما تضخم سعرها اليوم إلى 12 ألف ليرة، أي بزيادة قدرها 4 أضعاف. وكان من شأن إعطاء البطاقة آنذاك ضرب عصفوري الحد من الفقر، ووقف استنزاف الاحتياطي الإلزامي بحجر الدعم المباشر الواحد. فـ"تأجيل إعطاء بطاقة أمان بوقتها، بالتزامن مع تأجيل رفع الدعم أوصلنا إلى مرحلة أسوأ بما لا يقاس"، يقول الباحث الاقتصادي والقانوني في المعهد اللبناني لدراسات السوق كارابيد فكراجيان، "لدرجة أن تداعيات رفع الدعم مطلع العام 2021، حتى من دون إعطاء البديل، كانت لتكون أخفّ وطأة على المواطن والاقتصاد مما وصلنا إليه اليوم مع إعطاء المساعدة الاجتماعية".
ضياع البطاقة التمويلية
في خضم الانشغال ببطاقة "أمان"، ضاعت البطاقة التمويلية. فمصير هذه البطاقة المقرّة بقانون في مجلس النواب في حزيران 2021 لـ505 آلاف عائلة بمبلغ 556 مليون دولار، مرتبط بعدة أمور بحسب أبي علي ومنها:
- الإنتهاء كليّاً من معالجة أوضاع الأسر الأكثر فقراً.
- إقرار السياسة العامة والشاملة للحماية الاجتماعية في مجلس النواب وتطبيقها من قبل السلطة التنفيذية. وهذه السياسة معدّة من قبل "اليونسيف" UNICEF و"منظمة العمل الدولية" ILO، وبمشاركة أكثر من 150 خبيراً، و50 منظمة غير حكومية، ومن الوزارات المعنية مثل (الشؤون الاجتماعية والتربية...). والسياسة معدة مسبقاً لمدة 10 سنوات، ولا ينقصها إلا الإقرار.
- إقرار خطة التعافي الاقتصادي من قبل الحكومة. ذلك أنه من دون خطة تُطمئن الجهات المانحة على استدامة الدين، وتثبت قدرة الدولة اللبنانية على الإيفاء بتعهداتها، لن تتشجع المنظمات والمؤسسات الدولية على الاستجابة للحاجات التمويلية بعيدة المدى.
- توفر الشفافية والمحاسبة، وتبيان حجم الخسائر التي لحقت بالاقتصاد وكيفية توزيعها، واستكمال التدقيق الجنائي وقضايا تهريب الأموال.
- تأمين الضمانات الاجتماعية الأساسية وفي مقدّمها: الاستشفاء، الوصول إلى التعليم لكافة شرائح المجتمع وضمان الشيخوخة. التدقيق الجنائي وغيرها الكثير من المعوقات ومعرفة الخسائر وكيفية توزيعها. "تفاقم الأمور سوءاً، وتطورات الانهيار السريعة، حمّلت بطاقة "أمان" الموزعة الكثير من الاستنسابية. فهي أولاً مقتصرة على عدد قليل من الفئات المحتاجة، ويتم تمويلها بقرض يدفع من حساب جميع المواطنين الرازحين تحت خط الفقر"، بحسب فكراجيان. و"الخوف الأكبر أن يستعمل هذا الدعم لغايات انتخابية، وألا يحصل على بطاقة الدعم سوى "المحظيين" بدعم سياسي أو الذين يدورون في فلك السلطة ويحوزون على اهتمام الأحزاب المسيطرة في مختلف المناطق".
"مشروع الدعم المباشر كان يجب أن يكون مفتوحاً لعموم اللبنانيين دون قيد أو شرط، وبعد رفع الدعم عن السلع الصريح والمخفي بشكل كامل"، برأي فكراجيان. فمع تخطي نسبة الفقر 82 في المئة لم يعد هناك من خوف أن يصل الدعم إلى غير مستحقيه. وباستثناء نسبة 10 في المئة من الشعب اللبناني فإن السواد الأعظم يستحقّ دعماً مباشراً مبنياً على الإصلاحات الجدية.
إطلاق بطاقة "أمان" كان مناسبة وجّه من خلالها البنك الدولي رسالتين إلى المسؤولين، حيث شدد مدير دائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار على أن الحصول على دعم المجتمع الدولي يتطلب من السلطة التالي: إطلاق خطة تعافٍ اقتصادي وإصلاح قطاع الكهرباء بشكل فوري.