Advertise here

أمام مفترق الطرق لا بد من حُسن الاختيار

14 آذار 2022 16:47:20

بدأ العد العكسي للانتخابات النيابية المقرّرة في 15 أيار مع إقفال باب الترشيحات. وإذا لم تطرأ تطورات تعيق إجراءها فإنّ الأمور تسير بشكلها الطبيعي. لكن وفق قانون أعوج، ظاهره نسبي وباطنه مذهبي، ووفق قانون يفرز المواطنين تبعاً لانتمائهم المذهبي بالصوت التفضيلي، فمن الطبيعي أن لا ينتج عن هكذا قانون مجلس نيابي قادر على الارتقاء بالبلاد إلى مصاف دولة تصون مواطنيها، وتطوّر مؤسّساتها، وتخطّط للمستقبل.

قد يقول البعض إنّ هذه الانتخابات لن تستطيع القيام بالتغيير الجذري للنظام اللبناني العفن. وطبعاً هذا كلام يستند إلى وقائع ملموسة نتيجة القانون الانتخابي كما ذكرنا. لكنّ التغيير لا يحصل بين ليلة وضحاها، وهو بحاجة إلى مسار طويل خاصة في بلدٍ كلبنان منقسمٍ على نفسه عامودياً وأفقياً. والأخطر في هذا الانقسام هو محاولة ربط لبنان بمحور الممانعة، وبما يمثّله هذا المحور من تأمين مصالحه، والدخول في مفاوضات دولية، واستعمال الورقة اللبنانية لتحسين شروطه.

وأمام هذا الواقع يقف المواطن اللبناني حائراً لمن يصوّت، لمجتمعٍ مدني متشرذم من دون برامج واضحة أو أهدافٍ محددة، فقط  من أجل إزاحة مَن يجلس على كرسي النيابة للجلوس مكانه، ويتصارعون على مَن يكون في الواجهة؛ أم يعيد ثقته بمن يمثّله بالرغم من ما يعانيه من أزمةٍ اقتصادية ومعيشية تعصف بالبلاد منذ أكثر من سنتين، أم يقف متفرجاً ويمتنع عن التصويت.

هنا، وعلى مفترق الطرق، لا بد من حسن الاختيار، خاصةً إذا نظرنا جيداً إلى الواقع السياسي الذي يتحكّم بالبلاد منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أي منذ اغتيال مشروع الدولة، والنهوض بلبنان نحو الأمان والاستقرار، وهذا استكمالٌ لاغتيال المشروع الوطني لتطوير النظام اللبناني عبر اغتيال المعلّم الشهيد كمال جنبلاط. فالقرار واضحٌ وضوح الشمس حيث يُمْنَع على لبنان أن يصبح دولة ذات سيادة مع نظام علماني متطور ومتقدم.

لذلك تأتي المواجهة الكبرى في الانتخابات القادمة، وهذا الكلام ليس كلاماً عاطفياً لشد العصب، وليس كما يدّعي البعض في المجتمع المدني على أنّ هنالك اتفاقٌ واضحٌ بين الطبقة السياسية على السجالات التي تحصل فيما بينها من أجل شد عصب جماهيرهم، فالشهداء الذين تم اغتيالهم منذ اغتيال الحريري لم ينتحروا، بل كانوا مستهدفين من قِبل محور الممانعة. هذا المحور الذي لم ينكفء يوماً عن محاولاته للسيطرة على كافة مفاصل الحكم في لبنان، ولا يغيب عن بالنا أنّ جزءاً كبيراً من أسباب الأزمة الاقتصادية هو فرض الحصار الخليجي والغربي على لبنان بسبب التدخل المباشر لحزب اللّه في شؤون دول الخليج العربي وفق الأجندة الإيرانية. فصحيحٌ أنّ لبنان محكوم بلعبة التوازنات، ولكنّ محور الممانعة يحاول جاهداً الإخلال بهذا الواقع لإثبات أنّ الأكثرية في لبنان هي معه، وذلك من خلال دعم واختراق حلفائه في كافة المذاهب في لبنان، إذ أنّ حزب اللّه بحاجة لغطاء لبنان من كافة شرائح المجتمع اللبناني، وهو يريد هذه المظلة كما فعل معه التيار العوني، فجرت المقايضة آنذاك بين الرئاسة لميشال عون والمظلّة لحزب اللّه.

لهذا، ونحن أمام هذا الاستحقاق، لا بدّ من أن نضع جانباً كافة الملاحظات على بعض الأداء. نقول نضع جانباً ولا نتناساه من أجل وحدة المواجهة بين تكبيل لبنان ضمن محور الممانعة وإعادته إلى عصور التخلّف والانحطاط، أو تحريره لينطلق نحو العالم الحر مع حرية الفكر والتعبير، حرية الحب للحياة وحرية الإنسان.
 
لذلك لا مكان للرمادي في هكذا مواجهة: إمّا أبيض أو أسود. والامتناع عن التصويت هو كمن يصوّت لمحور الممانعة. المشكلة ليست بمن يحمل سيف المواجهة. المشكلة تكمن في مَن سيتلقى نتائج المواجهة، سلباً أم إيجاباً، وطبعاً الحديث هنا عن مَن يقف متفرجاً في المعركة.