في ظل مسلسل الأزمات الطويل بفصوله المستمرة، والذي يرزح الشعب اللبناني تحت وطأتها، وقبل أقل من شهرين على الانتخابات النيابية، ومِن على مجلس الوزراء، تناسى البعض كل التهديدات التي تعصف في وجه المواطن اللبناني، وخاصةً فيما يخص لقمة عيشه. ودون البحث في الحلول، ارتأى أن يستحضر بنداً خلافياً من خارج جدول أعمال الجلسة، معيداً طرح مشروع سد بسري الذي سبق للناس أن أسقطته.
أثار هذا الطرح المخاوف مجدداً، لتعود الأصوات المعارضة لإعلان رفضها لهذا المشروع، وفي طليعتها الحزب التقدمي الاشتراكي ورئيسه وليد جنبلاط، إلى جانب الأهالي والناشطين البيئيين الذين يواجهون إقامة هذا المشروع وتشويه مرج بسري.
معارضة هذا المشروع تأتي لأسبابٍ مختلفة، فهو يهدّد التنوع البيولوجي والتراث الغني لهذا الوادي، ويمكن أن يشكّل خطراً لأنّه يقع على صدعٍ زلزالي كبير.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ طبيعة الأرض الغنيّة بالمياه الجوفية لن تساعد على تخزين المياه. إذاً فالمعارضون كُثر، ومن هؤلاء كان وزير البيئة الدكتور ناصر ياسين الذي طالب بدراسة البدائل عن مشروع السد قبل إعادة التفاوض.
وتعليقاً على الموضوع، قال ياسين إنّ "هذا المشروع مكلفٌ جداً على البيئة، كما على المالية العامة، وبالنهاية هذه قروض وليست هبات ومساعدات، وهي أموال اللبنانيين، وتأخذ عشرات السنوات لكي تطبق".
وعن البدائل لمشروع بناء سد بسري قال ياسين في حديثٍ لـ"الأنباء" الإلكترونية: "نحن، أولاً لناحية حماية البيئة، نملك بدائل أفضل بكثير، منها:
أولاً: إدارة أفضل لشبكات المياه والموارد المائية الموجودة. فالموارد المائية لدينا ليست بقليلة، ويمكن الاستفادة منها، ويمكن إدارتها بشكل صحيح، كما ومعالجة الشبكة وأن نخفف الهدر. وهذا كله متاح.
ثانياً: هناك ينابيع حول مدينة بيروت وضواحيها يمكن الاستفادة منها ومحاولة استخدامها لتأمين المياه لبيروت والضاحية.
ثالثاً: يمكننا التوجّه إلى البرك الجبلية التي هي سهلة الإنشاء، وبكلفةٍ أقل بكثير من كلفة بناء السدود، وليس لديها الضرر البيئي مقارنةً مع ضرر السدود".
وأضاف: "هذه الحلول سنضعها على الطاولة ونناقشها، وذلك لنكشف أنّنا قادرون على إيجاد البدائل الجيّدة والمقبولة، والأقل ضرراً، والأسرع في توفير المياه. وبالطبع أوفر بكثير من مشروعٍ قيمته أكثر من 600 مليون دولار بالحد الأدنى على الورق الآن، أمّا بعدها فسترتفع أكثر".
واعتبر وزير البيئة أنّ إعادة طرح مشروع سد بسري مرتبط بالانتخابات النيابية المقبلة، ورأى ياسين أنّه "بينما نحن نبحث بالأمن الغذائي الخاص باللبنانيين، ونبحث عن مصادر لتأمين القمح والزيت والغاز والنفط لكي نستمر بالحد الأدنى، نفكّر بالذهاب إلى بناء سدٍ قيمته تتعدى الـ600 مليون دولار. فليتحلَّ بالمنطق قليلاً من يفكّر بهذه الطروحات، في وقتٍ نحن نبحث عن باخرة طحين لنستقدمها بـ 5 مليون، و10 مليون دولار، من هنا أو هناك. الأفضل لنا أن نزرع السهل الذي يستطيع أن يؤمّن الغذاء لربع بيروت".
وأشار ياسين إلى أنّ، "هناك مدرسة في العالم ترى بالسدود أنّها إحدى الحلول. وهناك بعض الأماكن بحاجةٍ إلى سدود مثل المناطق الصحراوية، والمناطق التي لديها مصدر مائي واحد. ولكن السد يغيّر التنوّع الموجود في أي طبيعة. والسد هو مشروع كبير وليس بالأمر البسيط. وعند بناء سد كل التنوّع البيولوجي الموجود في هذا المكان يتغير كلياً: تتغير المزروعات، والأزهار، والنباتات، ونوعية المياه، وتأخذ الطبيعة وقتاً طويلاً لتتأقلم معه. فإذا كان هناك ثمة بدائل عن بناء السدود فلماذا الدخول بهذا المشروع من الأساس؟"
وأضاف: "بالنسبة لنا فموقفنا واضح. إنّ هذا البلد يملك غنى في المياه. يجب استغلال هذه الموارد بطريقةٍ أفضل. لنفكر بالينابيع التي لدينا وأن نستفيد منها، وأن نبحث في كيفية تحسين شبكات المياه الموجودة، وفي بعض الأماكن هناك آبار باتت محفورة، و(يمكننا أن) نستفيد من هذه الآبار، فلدينا بدائل".
وختم بالقول: "يمكن أن نستفيد من مرج بسري عبر إعادة زراعته واعتماده كموقعٍ زراعي. فأولاً، يؤمّن حاجة المواطنين، كما ويؤمّن فرص عمل، أي أنّه يقدّم حلولاً محلية لمنطقتنا، فالحلول العالمية من قروض وغيرها غير موجودة على الطاولة حالياً. والواضح أنّ مشروع سد بسري لا يملك أدنى مقومات النجاح بالوقت الحالي".