هو حدثٌ مهيب أن تسقط هامة وقامة عقل، وفكر ومبادئ، وأخلاق وإنسانية. هو قدر هذا الإنسان أن يسقط شهيداً في غفلةٍ زمنية ويدفع ثمن دفاعه عن الحق الإنساني في الوجود بِحرية وكرامة.
وفي كل سنة، وبمناسبة السادس عشر من آذار، نقول الكثير ونكتب عن هذا القائد المفكّر والمعلم، ولكن آن الأوان أن نحسّ ونشعر ونقف بصمت وخشوع، ونسأل أنفسنا في نقدٍ ذاتي وشجاع، أين نحن من فكر وأهداف المعلّم، وما الذي فعلناه لتحقيق هذه المبادئ، وما هي الممارسات التى تُعتبر السير على خُطاه. في الحقيقة هناك الكثير من العمل الشاق والمُضني للوصول إلى الحقيقة التى كان يبحث عنها المعلّم. ولكن من الممكن أن نكون (نسير) على بعض من أفكاره الإنسانية والحياتية التي تعني المواطن والعلاقات الأخوية بين أفراد المجتمع. ليس المطلوب أن يكون كل فرد منا كمال جنبلاط في عقله وفكره وممارساته، بل (أن يمتلك) الحد الأدنى من الأخلاق الإنسانية ليعمّ السلام والمحبة والعدالة بين البشر.
كمال جنبلاط، في ذكرى استشهادك هذا العام البلد الذي حَلمتَ به واستشهدتَ من أجله أصبح جهنّمَ واندثر. والناس على أبواب المجاعة والفكر الطائفي والمذهبي في ازدياد وتعصّب، والانقسام الحاد بين كل المكوّنات في ذروته. الوضع الاقتصادي والمالي في انهيار تام، والبلد على قاب قوسين أو أدنى من المجاعة الحقيقية. لبنان منعزل عن محيطه العربي والعالمي. الوضع الاقتصادي والاجتماعي في الحضيض. الأزمات من كل حدبٍ وصوب. الدولة دويلات. الوكالات الحصرية والمصارف والمحتكرين نهبوا البلد، والفاسدون سرقوا المواطن. الحدود سائبة، والحمدللّه لا نصدّر إلّا حبوب الكبتاغون إلى الدول المجاورة، وعلينا حصار عربي بسبب تدخّلنا في كل مشاكل العالم. لا يوجد موضوع واحد متفقون عليه. لا يوجد أي مُقوّم واحدٍ للحياة: لا كهرباء، ولا ماء، ولا طرقات، ولا أدوية، ولا حد أدنى من الكرامة الإنسانية. العالم بأسره متوتر: الشرق الأوسط انقسام وحروب. فلسطين مازالت متروكة لقدَرها. أوروبا حربٌ، خرابٌ، ودمارٌ، وعلى أبواب حرب عالمية ثالثة. أميركا والصين حربٌ اقتصادية مفتوحة. دول عدم الانحياز والمسالِمة أصبحت في قلب المعركة. الإنسانية على الكرة الارضية مهدّدة واللّه وحده يعلم إلى أين الاتجاه.
ونحن في لبنان على أبواب انتخابات نيابية مصيرية، وانقسامٍ حاد على كل شيء سياسي واقتصادي اجتماعي ووجودي، والحزب الذي أسّستَه أيها المعلّم في قلب المعركة والمعادلة. كنّا، وما زلنا، إلى جانب الحق والعدالة والناس، وحاولنا قدر الإمكان أن نكون على خطاك ونهجك. فشلنا في بعض المحطات، ونجحنا في محطات أكثر وأصعب وأدق لأنّ الاستحقاقات كانت مصيرية ووجودية. كنّا إلى جانب الناس ومعهم في معركتنا السياسية، وحقّنا الشرعي الدفاع عنه. حصارنا تعوّدنا عليه، ومررنا في مراحل أصعب وخرجنا منتصرين بفضل الناس الأوفياء والأقوياء في نفوسهم، ووقوفهم إلى جانب قيادة الحزب ورئيسه، وليد جنبلاط، لأنّ الحزب كان إلى جانبهم ومعهم.
ضميرنا مرتاح وأدّينا قسطنا للعلى قدر المستطاع، وتبقى الكلمة لكم، وعلى العهد والوعد للمعلّم القائد الشهيد كمال جنبلاط في ذكرى استشهاده.