Advertise here

عن وصية لكمال جنبلاط: احتضنوا الجميع ولا تزرعوا الكراهية

04 آذار 2022 17:04:57

في بيروت التقيت وفداً من بلدة مجاورة لبلدتنا، وكنت أعرفهم جميعاً، طلبوا مني مرافقتهم إلى وزارة الداخلية لمقابلة الوزير كمال جنبلاط. وافقتُ. وهل من المعقول أن أرفض هذا الطلب وتفوتني مثل هذه الفرصة الذهبية؟ لا يمكن ذلك. 

ونحن في الطريق سألتهم عن موضوع الزيارة. تلقيت الجواب مع الطلب أن أكون مَن يطرح الموضوع على معاليه. اعتذرت بحجة منطقية. والحقيقة اعتذاري كان لأنّني، وبكل تواضع، عرفت مسبقاً جواب معاليه. في قاعة الانتظار دخل علينا هذا المارد، واثقَ الخطوة عالي الجبين، وكالعادة بخصلة الشعر المتدلية على وجهٍ يشع نوراً ستبقى صورته عالقة في قلبي وذهني ما حييت. باختصار كان الموضوع  تأسيس  بلدية ثانية في البلدة، والسبب هو أنّهم (خصومهم) الأكثرية، وكانت بيدهم كل القرارات. ولكن الآن تغيرت الموازين بعد أن تمّ الاتفاق ما بين كل عائلات البلدة الآخرين وأصبحوا أكثر منهم أصواتاً، وأولئك الآن أقلية، لذلك يريدون تأسيس مجلس بلدي آخر.

بانَ على وجه كمال بيك عدم الارتياح، وقال: "إذا بدكم رأيي عندما تعودوا لبلدتكم حاولوا الاجتماع مع الذين تسمّونهم خصوماً في السياسة وأنا متأكد، وعلى يقين، أنّ هؤلاء الناس مواطنون شرفاء يطالبونكم في حقّهم، وأنتم أخطأتم  في الماضي. ولو عاملتموهم كما يجب لما اتفق الجميع ضدّكم، ولم تقف إلى جانبكم واحدة من هذه العائلات، ثمّ اعطوهم كل ما يريدونه بطيبة قلب وخاطر لأنّكم تثقون بهم. هذا أفضل بكثير من زرع بذور الكراهية في ما بينكم وبين أولادكم وأحفادكم. أولاً: لا يحق لكم (ذلك) بالقانون، ولا أنتم مستوفون الشروط.

ثانياً: أفضل بكثير خسارة عضو في البلدية، أو رئيس، من زرع بذور الفتنة فيما بينكم. عودوا لبلدتكم إلى أهلكم. احتضنوا الجميع. وأي خطوةٍ بغير هذا الاتّجاه لا تحمد عقباها". 

طبعاً، كان الحديث مع المعلّم طويلاً وشيّقاً جداً، وأكثره كان استفساراً عن الأوضاع في المنطقة، وتخلّله الكثير من النصائح والتوجيه!..  عدنا أدراجنا، ثمّ بدأت أفكّر باسمٍ، أو بصفة، نعطيها لهذا العملاق بعد كل الذي سمعناه. هل هو معلّم، أو حكيم مبشّر، أو داعية عملاق، أو فيلسوف من الذين وصفهم الكاتب والمؤلف الأستاذ نايل أبو شقرا ب "مدارك العقلاء"؟ لا بل هو كل هذه التسميات، وبالتأكيد إنّه عبقري، لأن العرب يقتلون عباقرتهم. أمّا اليوم، وأكثر من أي وقتٍ مضى، عاودتني الذاكرة إلى ذلك الزمن، زمن الرجال أمثال كمال جنبلاط، عند مشاهدة هذه المجموعة من الذين تسلّموا زمام الأمور في لبنان، وكان شغلهم الشاغل طوال سنوات حكمهم إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والحزبية، وإيقاظ الفتن، ومحاولة إشعال الحروب بدون أن يرفّ لهم جفن من خلال توجيه الاتهامات الكاذبة، ويتصدّرون الإعلام في كل يوم،  ولا يحملون معهم إلّا الأخبار السيئة، فلا كهرباء، ولا ماء، ولا الحد الأدنى من الطبابة والخدمات العامة. ومنذ سنوات يعاني البلد من أزمة النفايات التي انتشرت في شوارع العاصمة. في أي بلدٍ في العالم تنهب الدولة أموال الفقراء، ثم وبكل وقاحه تطلب منهم المساهمة في دفع ما نهبته من أموال؟ ولكن "مش مهم" ما دام الرئيس  مرتاحاً على كرسيّه، ومهتماً برفع الأثقال و"الرياضة"!….

بقلم سالم محمد عمار