Advertise here

"المتحف الوطني" اللبناني بالألوان في اليوم العالمي للأمراض النادرة

02 آذار 2022 10:21:15

لم تكن تدرك مي فرحات والدة الطفلة كلوي ابنة الـ10 سنوات، أنّ حبها لابنتها المصابة بمرض نادر سيقف وراء إضاءة المتحف الوطني بالألوان. فلبنان وبمبادرة من وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، انضم إلى مجموعة الدول التي تُحْيي اليوم العالمي للأمراض النادرة. كما جورجيا وطوكيو ودبي وغيرها، فإنّ هذه البلدان اعتادت إضاءة أحد المعالم الأثرية لديها في 29 فبراير (شباط) من كل عام. ويأتي هذا لدعم المرضى من جهة، ومناصرة من يقف إلى جانبهم من جهة أخرى.

هكذا ارتدى المتحف الوطني في لبنان الحلة المناسبة وأُضيء بالأخضر والزهري والأزرق، وهي الألوان التي تشير إلى هذا اليوم العالمي. ووقف الوزير المرتضى مع كلوي يلتقط صوراً تذكارية، وقد أحاط به أهل الطفلة وأقرباؤها. وفي كلمة ألقاها بالمناسبة شدّد على أهمية الوعي والإدراك وقال: «أنْ نضيء زاوية في الوعي، ونفتح الأذهان على خطر داهم هنا، ومرض قادم من هناك، فنحن لسنا أمام ترف فني أو لفتة تشكيلية أو لعب على الأنوار والأضواء، بل نحن أمام إضاءة مباشرة على ما يتهددنا حاضراً ومستقبلاً. تلك هي القضية أيها الأحبة في أن نثير الوعي».

وبدأت قصة هذا الحدث من خلال مي فرحات، والدة كلوي التي التقت الوزير المرتضى عارضةً عليه انضمام لبنان إلى الدول التي تحْيي هذا اليوم سنوياً. وتقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لفتتني ما تقوم به تلك الدول من أجل الإضاءة على هذه الأمراض النادرة. بقيتُ فترة طويلة أُحجم عن التحدث عن مرض ابنتي وأحاول إخفاءه عن الآخرين، إذ كنت أشعر بالخجل. ولكن بعد نصيحة من الاختصاصية في علم النفس قررت أن أواجه ابنتي بمرضها وأتحدث عنه علناً».



الاحتفال بهذا اليوم  في لبنان سيكون موعداً سنوياً في آخر يوم من شهر فبراير (الشرق الأوسط)

 


كان على مي أن تتقبل مرض ابنتها كي تستطيع كلوي تجاوز محنتها. وبعد أن كلمتها عن إصابتها بمرض «KTS» وهو من الأمراض النادرة، الذي يصيب شخصاً واحداً من أصل 100 ألف شخص، انقشعت الرؤية أمامها وقررت المواجهة.



والـ«KTS» Klippel - Trenaunay syndrome» هو كناية عن مرض نادر بمثابة خلل يضرب الشرايين والجهازين الهضمي والليمفاوي، ويؤثر على الدورة الدموية لدى المصاب. كما يتسبب المرض بأوجاع مؤلمة وبتقرح الشرايين في القدم أو اليد أو أي مكان آخر من الجسم، فيصبح واضحاً لناظره.

وعادةً ما كانت مي تجلس مع ابنتها في هذا اليوم العالمي وتحتفلان به وحدهما من خلال تلوين الوجه أو اليدين. وكانتا تقومان في الوقت نفسه بمتابعة إضاءة معالم أثرية أو جسور ضخمة عبر الإنترنت في البلدان التي تحيي هذه المناسبة. «كانت كلوي ترغب في أن تحضر هذه الاحتفالية في دبي وهو ما دفعني إلى التفكير بإمكانية إضاءة المتحف الوطني كي أسعدها. فمن أجلها كنت حاضرة للقيام بأي شيء فأضيء لبنان بأكمله كي أشاهد فرحتها ولأعبر لها عن حبي الكبير لها» تقول مي، وهي إعلامية عملت في «تلفزيون المستقبل» سابقاً، وفي شركة إنتاج حالياً. وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «طلبت موعداً للقاء الوزير المرتضى وعندما عرضت عليه الفكرة أبدى تجاوبه وتفاعله مع الموضوع في اللحظة نفسها. وبعد برهة من الوقت، قال لي اعتبري الموضوع انتهى وسيُنفّذ».

بالفعل استطاع وزير الثقافة ترجمة وعده على الأرض وجرى في احتفال أُقيم في 28 الجاري، إضاءة المتحف الوطني دعماً للمصابين بأمراض نادرة. وعادةً ما يُحتفل بهذا اليوم العالمي في 29 فبراير، لأنّه موعد من النادر مصادفته على الروزنامة السنوية، ولكن يُستبدل بـ28 فبراير أو أي تاريخ آخر يصادف نهاية هذا الشهر لإحيائه.

كانت فرحة كلوي لا توصف بهذا الحدث وتمنت لو أنّ أصدقاءها المصابين بأمراض نادرة كانوا يشاركونها فيه. وتعلق مي فرحات: «في الحقيقة لا يزال التحدث عن هذه الإصابات علناً، هو أمر غير مرغوب فيه لدى أمهات وآباء أعرفهم. دعوت أشخاصاً كثيرين كي يشاركونا هذا الحدث، إلا أنّ أحداً منهم لم يلبِّ الدعوة. وأعتقد أنّهم يفضلون إخفاء هذه الحقيقة عن أولادهم وعن معارفهم، ولذلك غابوا عن هذه الاحتفالية».

وتتحدث مي عن سعادتها الكبيرة لانضمام لبنان إلى الخريطة الدولية والبلدان التي تحْيي هذا اليوم، وتخبرنا بتأثر كبير في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «لم أستوعب حتى اللحظة ما استطعت إنجازه بالطبع بالتعاون مع وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى. فعندما رأيت كل هؤلاء الناس في الاحتفال تأثرت بالمشهد وتمنيت في قرارة نفسي أن يحمل العام المقبل أعداداً أكبر. فهذه الذكرى سيحتفل بها لبنان في موعدها من كل عام، وأرجو أن يكون اللبنانيون قد استوعبوا أهميته في السنة المقبلة، فيأتوا إلى المتحف الوطني بالمئات مع أولادهم المصابين بأمراض نادرة كي يواجهوا واقعهم بصلابة وشجاعة. لقد استغرقني الأمر سنوات طويلة كي أواجه هذه المحنة، لا سيما أنّه لا علاج شافياً لمرض ابنتي. ولكنّي اليوم أفتخر بهذا الإنجاز الذي لن يلامس ابنتي فقط بل جميع الأولاد والأشخاص المصابين بمرض نادر. فهي رسالة توعوية أتمنى أن تصل إلى أكبر عدد ممكن من الناس، فيواجهون واقعهم ويضيفون إلى حياة أولادهم حفنة من الفرح».