Advertise here

المكتبات العامة تجذب لبنانيين تضاءلت قدرتهم على شراء كتب جديدة

25 شباط 2022 10:05:30

عصر كل يوم جمعة، تصطحب منيرة خليفة، طفلها إيليا إلى مكتبة عامة في بيروت لحضور «ساعة القصة» واستعارة قصص جديدة، بعدما أزالت على غرار لبنانيين كثر شراء الكتب من قائمة أولوياتها مع ارتفاع ثمنها جراء الأزمة الاقتصادية.
فور وصولهما إلى المكتبة العامة لبلدية بيروت في محلة الباشورة، يتجول الصغير (خمس سنوات) بين الرفوف. يتصفح كتاباً يضمّ رسومات، قبل أن يجلس على أريكة ملونة في الركن المخصص للأطفال.
وتقول منيرة: «وصلنا إلى مرحلة لا نجد مكاناً أصطحبه إليه في ظل تفشي كورونا والوضع الاقتصادي الذي نعيشه».
لكن مع بدء ارتياد المكتبة العامة «نمضي وقتاً في مكان آمن ومريح وقريب من المنزل، حيث في إمكانه أن يلعب ويلوّن ويستعير الكتب» و»مادياً، نوفّر كلفة التنقل وثمن الكتب التي (…) يمكن أن يملّ منها بعد ثوان».
وترتفع قهقهة الأطفال في كل مرة تصرخ الحكواتية وهي تتقمّص شخصية دمية أو دجاجة تحركها بيدها أمامهم، بينهم إيليا الذي تقول والدته إنه يستمدّ «طاقة إيجابية» تخرجه «من الروتين الذي نعيشه».
ومنيرة واحدة من مئات الأمهات والآباء الذين يقبلون بشكل متزايد على ثلاث مكتبات عامة تابعة لبلدية بيروت تتولى إدارتها جمعية السبيل، وهي منظمة غير حكومية تأسست عام 1997 وتعمل على الترويج للمطالعة وتأمين الوصول الحر إلى المعلومات.
وتوضح أمينة مكتبة الباشورة، سمر شقير:»لم يعد في مقدور الناس شراء الكتب (..) خصوصاً كتب الأطفال المؤلفة في غالبيتها من صفحات قليلة وفيها صور، ويدفعون ثمن» الكتب المستوردة من الخارج «باليورو أو الدولار» فيما خسرت الليرة تسعين في المئة من قيمتها منذ بدء الانهيار الاقتصادي.
وتضيف: «الأصداء التي نسمعها من الأهالي أن هذا مكان نصطحب إليه أولادنا لقضاء ساعتين مجاناً في ظل الأزمة» التي صنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850.
وتجاوز عدد المشتركين في المكتبة عتبة الثلاثة آلاف، وفق شقير التي تتحدث عن «إقبال متزايد منذ سنة سواء للقراءة أو الاستعارة».

الأسعار بالدولار

في مكتبات البيع ودور النشر، ارتفعت أسعار الكتب سواء المطبوعة في لبنان أو المستوردة من الخارج لارتباطها بالدولار، وهو ما أثّر سلباً على الإقبال.
وتشرح لانا حلبي (33 عاماً) وهي شريكة مؤسِسة في مكتبة الحلبي في محلة الطريق الجديدة في بيروت «أسعار الكتب الجديدة بالدولار وتتأثر بسعر الصرف المرتفع» والمتقلب ما جعل «أسعارها مرتفعة جداً في وقت لم يتغير الحد الأدنى للأجور (675 ألف ليرة أي 32 دولاراً اليوم).

مع تخطي ثمن العديد من الكتب المستوردة الحدّ الأدنى للأجور، لم يعد في مقدور القراء، وفق حلبي، أن «يضعوا الكتب على قائمة أولوياتهم، وهو ما انعكس بشكل سلبي علينا وعلى كل دور النشر».
وبات اللبنانيون في معظمهم عاجزين عن تأمين الحدّ الأدنى من احتياجاتهم الرئيسية في بلد أصبح أكثر من ثمانين في المئة من سكانه تحت خط الفقر، وفقد فيه عشرات الآلاف وظائفهم ومصادر دخلهم على وقع تراجع قدرتهم الشرائية بشكل غير مسبوق.
في المكتبة العامة في الجعيتاوي الموجودة داخل حديقة عامة نادرة في بيروت، يزداد الطلب تدريجياً على الروايات، وفق ما تشرح أمينة المكتبة جوزيان بدرا لفرانس برس.
وتقول: «باتت الكتب باهظة الثمن والناس غير قادرة على تحمّل كلفتها.. خصوصاً الروايات المطلوبة بكثرة في المنطقة، سواء بالفرنسية أو بالعربية».
وأضافت أن المكتبة استقدمت أكثر من 300 كتاب جديد إلى رفوفها خلال الشهرين الماضيين لتلبية الطلبات المتزايدة.
وتقصد الطالبة ألين ضو (21 عاماً) دورياً مكتبة الجعيتاوي للدرس بهدوء أو قراءة كتب تساعدها في تحصيلها الجامعي.
وتقول: «كطالبة آداب، أحتاج دائماً إلى القراءة، فأدخر المال لأشتري المؤلفات الأساسية، وأفضل أن أستعير الروايات من هنا».
رغم هذا «المتنفس» الذي تشكّله المكتبات العامة، يقول المنسّق التنفيذي لجمعية السبيل علي صباغ، إن التحدّيات كبيرة.

تحدّيات

ويضيف: «تزداد التحدّيات بشكل كبير لأننا ندير هذه المكتبات بشراكة مع بلدية بيروت التي كانت تؤمن في حدود ثمانين في المئة من الميزانية التشغيلية للمكتبات بالليرة» التي فقدت قيمتها.
على غرار بقية مؤسسات القطاع العام، تقلّصت قدرة بلدية بيروت بسبب الأزمة على تقديم الخدمات الرئيسية في العاصمة، في ظل تراجع إيراداتها وتدهور قيمة موازنتها.
وتحاول إدارة المكتبات، وفق صبّاغ «التواصل قدر الإمكان مع مانحين قادرين على إمدادنا بالدعم اللازم حتى نتمكن من الاستمرار، لأن الاعتماد على الإدارات العامة في هذا الوقت بات صعباً جداً».
ويقول: «بات تحدياً كبيراً أن نستمر في توفير الكتب والخدمات الثقافية من نشاطات وإنترنت مجاني، خصوصاً أن الممولين في فترة الأزمات يتجهون كذلك إلى ما يعتبرونه حاجات أساسية» لدعمها.
لكنّ في لبنان الغارق في أزماته، يحتاج اللبنانيون أكثر فأكثر إلى مساحات مماثلة.
وتقول الطالبة الجامعية فالنتينا حبيس، التي ترتاد مكتبة الجعيتاوي منذ طفولتها، بينما تجلس أمام كمبيوترها «في خضمّ الأزمات الاقتصادية، نحتاج إلى أماكن ثقافية.. إلى مساحات تنمّي الفكر والثقافة، لأن الثقافة هي أساس المجتمع».