Advertise here

السودان على عتبة مرحلة جديدة... فهل يحكم العسكر؟

26 نيسان 2019 08:51:00 - آخر تحديث: 26 نيسان 2019 12:40:30

يقف السودان على عتبة مرحلة جديدة، لا تخلوا من الترقب والحذر، بعد ما أعلن كل من المجلس العسكري الانتقالي، وقوى الحرية والتغيير، الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة من الطرفين لمعالجة النقاط الخلافية بينهما لحلها، وقال المتحدث باسم المجلس العسكري الفريق شمس الدين كباشي، إنه تم التوصل إلى اتفاق "على أغلب مطالب" قادة الاحتجاجات، بعد اجتماع بين الجانبين، دون تقديم مزيد من الإيضاحات. وكان قادة الاحتجاجات قد دعوا إلى مسيرة مليونيه للمطالبة بتسليم الحكم لسلطة مدنية، وهددوا بإضراب شامل.

وكانت المعارضة السودانية قبلت في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء 24 نيسان، دعوة المجلس العسكري الانتقالي لإجراء محادثات وسط خلافات بين الطرفين بشأن موعد تسليم السلطة إلى المدنيين، بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير.
وإثر الاجتماع قال المتحدث باسم المجلس العسكري: "التقينا حول مختلف جوانب المذكرة التي قدمها تحالف "الحرية والتغيير"، أضاف، "أن المجلس العسكري وقوى الحرية والتغير يكملان بعضهما"، مشدداً على أن "سعيهما يتجه نحو تأسيس نظام ديمقراطي في السودان خال من العيوب"، وقال للصحفيين: "الهدف مستقبل السودان ولا حسابات خسارة وربح في الحوار، بل اتفاق على الشراكة والعمل سويا للعبور إلى بر الأمان"، وأشار إلى عدم وجود خلاف مع قوى إعلان الحرية والتغيير طالما الهدف واحد.

بدوره أكد رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان، عزم المجلس تسليم السلطة في أسرع وقت ممكن.
وقال في مقابلة صحفية، أن المجلس استجاب لرغبة الشعب في التغيير، وأن "حكومة كفاءات وطنية" هي المخرج للوضع الراهن"، أضاف قائلاً "إذا اقتضت الضرورة ذهاب المجلس العسكري اليوم سنذهب اليوم"، مضيفا أن "مطلبنا مثل مطلب الشعب وهو نقل السلطة للشعب في أقرب وقت".

من جهة أخرى، ثمنت قوى الحرية والتغيير، دور القوات المسلحة السودانية في حماية المدنيين، وأكدت على قيادتها للحراك الثوري. وقررت بعد الاجتماع مع المجلس العسكري ، تأجيل إعلان أسماء المجلس المدني الانتقالي التي كان مقرراً الإفصاح عنها من على منصة اعتصام القيادة العامة في الخرطوم، إلا أنها أبقت على التظاهرة المليونيرة التي كانت قد دعت لها، حيث توافد مئات آلاف المحتجين إلى مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، لتكثيف الضغط على المجلس العسكري الحاكم لتسليم السلطة إلى إدارة مدنية.

وغصت الشوارع بالمتظاهرين الذين رددوا شعارات للمطالبة بمحاكمة المسؤولين في نظام الرئيس السابق عمر البشير. وحملوا لافتات كتب عليها "لا للحكام العسكريين"، وأكدوا الاستمرار في الاعتصام "لحماية الثورة وضمان تحقيق جميع المطالب"، وللمرة الأولى، أعلن القضاة السودانيون الانضمام إلى الاعتصام وذلك "دعما للتغيير ولسيادة حكم القانون ومن أجل استقلال القضاء".

حيث شارك أكثر من 100 قاض سوداني في المسيرة، انطلقوا من أمام المحكمة العليا يرتدون عباءاتهم السوداء، حمل بعضهم لافتات كتب عليها "قضاة من أجل التغيير" فيما ساروا في وسط الخرطوم، وهتف القضاة "مدنية مدنية، بالقضاء محمية".

وبعد بدء المسيرة بوقت قصير قال المتحدث باسم المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في السودان إن المجلس سيحتفظ بالسلطة السيادية فقط وإن المدنيين سيتولون رئاسة الوزراء وكل الوزارات الحكومية.

وكانت قد انطلقت في 19 كانون الأول من عام 2018 تظاهرات الشعبية، في بعض المدن السودانيّة بسببِ ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وتدهور حال البلد على المستويات كافة، وتطورت سلسلة الاحتجاجات تصاعداً مع سوء الأحوال الاقتصادية، حتى باتت أشبه بثورة شعبية سلمية، ونصف عصيان مدني جراء الاعتصام المفتوح في الساحات العامة وأمام وزارات الدولة، تطالب بإسقاط النظام، قبل أن ينقلب مجموعة من الضباط على الرئيس عمر البشير في 11 نيسان الجاري، وينجحوا في الإطاحة به، وبتشكيل مجلس عسكري مؤقت، يقول بأنه يتولى تنفيذ المطالب الشعبية المحقة، حيث سرت شائعات بأن البشير أصدر أوامر للجيش بإطلاق النار على المحتجين وطردهم من ساحات الاعتصام. 

وفي خطوة لافته منح القادة الأفارقة، المشاركون في قمة القاهرة التي دعت إليها مصر، مهلة ثلاثة أشهر للمجلس العسكري الرئاسي في السودان للقيام بـ"انتقال سلمي" للسلطة. بعد أن هدد الاتحاد الأفريقي بتعليق عضوية الخرطوم في حال عدم تسليم الجيش السلطة للمدنيين.

وجاء في البيان الذي صدر في ختام القمة التشاورية للشركاء الإقليميين للسودان، أن المشاركين في هذه القمة، أوصوا مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي بـ"أن يمدد الجدول الزمني الممنوح للسلطة السودانية مدة ثلاثة أشهر". واتخذ قرار منح المهلة الجديدة بناء على "الإحاطة التي قدمها موسى فقيه رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي حول زيارته الأخيرة للسودان".

ودعا المشاركون في القمة "السلطات والقوى السياسية في السودان، العمل معا بحسن نية لمعالجة الأوضاع الحالية، وسرعة استعادة النظام الدستوري من خلال حوار سياسي، يحقق آمال وطموحات الشعب السوداني لإرساء نظام سياسي ديمقراطي شامل".

وكانت حالة من القلق قد سادت البلاد بعد تعليق المفاوضات بين قادة الاحتجاج، والمجلس العسكري الانتقالي، الذي طالب برفع الحواجز التي تغلق الطرق المؤدية إلى مقر قيادته وسط الخرطوم، والذي يتجمع آلاف المتظاهرين أمامه على مدار الساعة قبل الإطاحة بالبشير، متوعدين بتصعيد تحركهم وعدم مغادرة الموقع حتى تلبية مطالبهم، التي تقضي بتشكيل مجلس تشريعي مدني انتقالي يتولى المهام التشريعية الانتقالية، بالإضافة إلى مجلس وزراء مدني مصغر يقوم بالمهام التنفيذية. في حين حاول المجلس العسكري إعادة الوضع إلى طبيعته، مستفيداً من الدعم المادي الخليجي الذي تلقاه بعد أن تولى عبد الفتاح البرهان، المقرب من الإمارات المتحدة، رئاسة المجلس العسكري.

وفي مؤشر سياسي يعزز ارتباط السودان الجديدة بالمحور العربي (السعودي المصري الإماراتي)، أقال المجلس العسكري، وكيل وزارة الخارجية السفير بدر الدين عبدالله أحمد من منصبه بعد أن أصدرت "وزارة الخارجية بيانا صحفيا عن الإعداد لزيارة وفد قطري إلى البلاد دون التشاور مع المجلس العسكري ودون علمه، كما تحدثت مواقع إخبارية ونشطاء على مواقع التواصل، نقلاً عن الرئيس الإقليمي للمركز البريطاني لدراسات وأبحاث الشرق الأوسط، "أن مصدرا دبلوماسيا أخبره بأن القيادة الجديدة، أعطت مهلة زمنية محددة لنظام تركيا، لإخلاء جزيرة سواكن السودانية من أي وجود تركي استخباراتي أو عسكري، وإنهاء العمل بالاتفاقية الموقعة بين الجانبين بشأن الجزيرة. 
وكان العمل قد توقف في جزيرة سواكن عقب الاحتجاجات التي اندلعت ضد نظام البشير نهاية العام الفائت، ويعتبر ميناء سواكن الأقدم في السودان ويستخدم لنقل المسافرين والبضائع إلى ميناء جدة في السعودية، وهو الميناء الثاني للسودان بعد بور سودان الذي يبعد 60 كلم على الشمال منه.
من جهتها أعلنت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، عن تقديمها حزمة مشتركة من المساعدات لجمهورية السودان، يصل إجمالي مبلغها إلى ثلاثة مليارات دولار أمريكي، وأفادت وكالة الأنباء السعودية الرسمية بأن 500 مليون دولار من حزمة المساعدات، قدمت من البلدين كوديعة في البنك المركزي السوداني وذلك لتقوية مركزه المالي، وتخفيف الضغوط على الجنيه السوداني، وتحقيق مزيد من الاستقرار في سعر الصرف، وأشارت الرياض وأبوظبي إلى أنهما ستصرفان باقي المبلغ لتلبية الاحتياجات الملحة للشعب السوداني تشمل الغذاء والدواء والمشتقات النفطية.
وفي السياق عينه بات من شبه المؤكد، أن ترفع السودان عن قائمة العقوبات الأميركية، حيث سيزور وفد سوداني واشنطن قريباً، حيث أعلنت الإدارة الأميركية عن تأييدها لمطالب المحتجين ودعوتها إلى إقامة حكم مدني، وقالت مسؤولة وزارة الخارجية ماكيلا جيمس المكلفة شؤون شرق إفريقيا، والتي تزور الخرطوم حاليا "نؤيد المطلب المشروع للشعب السوداني بحكومة يقودها مدنيون، ونحن هنا لتشجيع الطرفين على العمل معا لدفع هذا المشروع قدما في أسرع وقت، فالشعب السوداني عبر بشكل واضح عما يريد".