إهمال الدولة بحق الجامعة اللبنانية يصل الى أقصى درجاته، فبعد الغاء امتحانات الطلاب بسبب عدم توافر الحبر والورق في آلات التصوير الخاصّة بالجامعة، اضافة الى الطلب منهم إحضار ورقة معهم لطباعة وصل الدفع، وبعد قرار عدد من أساتذة الجامعة المغادرة والهجرة بحثاً عن ظروف عملٍ أفضل في أي بلدٍ يحترم وجودهم ويعترف بقيمة شهادتهم، وبعد صرخات الطلاب والأساتذة التي لا تنتهي، ماذا يمكن القول غير أنّ السلطة الحاكمة تتعمّد تدمير الجامعة اللبنانية بكل فروعها؟.
مصدر خاص في الجامعة اللبنانية يؤكد لـ"لبنان الكبير"، أن "المشكلات التي تواجهها الجامعة اللبنانية اليوم هي نتيجة ضغط من فريق سياسي معيّن، والجامعة لا تزال تطالب بأخذ مستحقاتها من الدولة، التي تماطل في اعطائها لها، وهي عبارة عن 50 مليون دولار من عائدات فحوص كورونا التي تكفلت الجامعة باجرائها لجميع الوافدين الى لبنان عبر مطار رفيق الحريري الدولي. فالعهد الحالي يمارس منهج تدمير كل المؤسسات الرسمية، ولكن رئاسة الجامعة اللبنانية تحاول مواجهة هذا النهج باللحم الحي للحفاظ على العام الدراسي وعلى الجامعة بالاجمال، على الرغم من رحيل عددٍ هائلٍ من الأساتذة الى الخارج، ولكن البديل يكون بالأساتذة المتعاقدين الذين ترفض الدولة تثبيتهم بحجّة المناصفة".
وعن ملف المدربين، يقول: "الجامعة اللبنانية اليوم تضم 1200 مدرب وهو رقم غير كافٍ بالنسبة الى ما تحتاجه الجامعة، وهؤلاء المدرّبون منذ العام 2004 حتى العام 2022 لم تصدر الدولة اللبنانية عقوداً لهم، أي أنّهم لا يزالون تحت بدعة المصالحة حيث يحصلون على رواتبهم كل 6 أشهر أو كل سنة، ولكن في ظل الظروف التي يمر بها البلد أصبحوا غير قادرين على التحمّل والاستمرار، مع العلم أنّ هذا المدرّب محسوب ضمن موازنة الجامعة، وإذا أراد أن يحصل على راتبه قبل الموعد المحدد يتوجّب عليه أن يأخذ الموافقة من التشريع، ثمّ موافقة إدارة الجامعة التي تحيلها على ديوان المحاسبة لكي يتقاضى مليوني ليرة، وهذا المبلغ أصبح لا يساوي شيئاً، لذا يطالب المدربون اليوم بإصدار عقود لهم لكي يتقاضوا رواتبهم شهريّاً".
ويضيف: "إنّ رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور بسام بدران يحاول جاهداً منذ استلامه المنصب أن يتصدّى للمصاعب التي تواجه الجامعة الحكومية الوحيدة في لبنان، ويسعى الى تحصيل حقوق كل من الأستاذ المتفرغ والمتعاقد والمدرب أيضاً".
إنّ هذه المرحلة الصعبة التي تعيشها الجامعة اللبنانية وانعكاسها على الآلاف من الطلاب والأساتذة تزداد يوماً بعد يوم، وفي هذا السياق يقول عضو لجنة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية رامي العاكوم: "الجامعة اللبنانية اليوم في وضع كارثي بكل ما للكلمة من معنى، والسبب هو العجز في موازنتها وعدم الاكتراث لها من قبل الدولة المسؤولة عن إنقاذها، وكما نرى محاولات رئيس الجامعة الذي يناشد الدولة عبر الإعلام إنقاذ الجامعة وطلابها وأساتذتها من الانهيار المحتم قبل فوات الأوان".
ويشدد على ضرورة "أن تتكرّم الدولة بإعطائنا القليل من المبالغ التي لنا بحوزتها، أو على الأقل أن تضاعف موازنة الجامعة التي لا تزال كما هي منذ العام 2019 وتقدّر بـ250 مليون دولار وقد أصبحت لا تكفي لتأمين المستلزمات اللوجيستية لتشغيل المباني الجامعية ولا حتى لتوفير متطلّبات الكليات التطبيقية والمكتبية، ما يعني أنّ هذا المبلغ لا يكفي لتشغيل مباني الجامعة لمدة شهرين حتّى لسبب بسيط وهو أنّ جزءاً من هذه الموازنة أي حوالي 311 مليار ليرة يخصّص لرواتب الموظفين والأساتذة، أمّا ما تبقّى منها فهو الجزء المخصص لأعمال الصيانة، ما يعني أنّ المشكلة لا تقف عند عدم توافر الحبر والورق بل الأزمة تشمل كل العاملين في الجامعة اللبنانية أيضاً، إذ نحن كأساتذة غير قادرين على أن نعلّم طلّابنا حضوريّاً في الجامعة لعدم توافر مادة المازوت فيها".
ويوضح أنه "في غالبية فروع الجامعة اللبنانية عدا الفرع الأول، يأتي الموظفون يومين فقط في الأسبوع لتمرير عدد من المعاملات للطلاب، أي أصبحت الجامعة تقنّن لوجود صعوبة كبيرة في تأمين المازوت في حال نفدت الكمية الحالية".
ويشير العاكوم الى أنه "لا يزال هناك قضاة شرفاء من أمثال القاضي فوزي خميس مدعي عام ديوان المحاسبة الذي تابع ملف عائدات فحوصات الـPCR، ولكن حتّى الآن وعلى الرغم من القضاء لم تتلقّ الجامعة اللبنانية ليرة واحدة. وكان الدكتور بسام بدران اجتمع مع وزير الصحّة فراس الأبيض الذي يحاول مراراً وتكراراً سحب موضوع فحوصات الكورونا من الجامعة اللبنانية لأمور خاصّة ربّما وإعطاءها لصالح مستشفى ما".
ويعتبر أن "هناك كرهاً للجامعة اللبنانية من قبل السلطات المتعاقبة التي تحاول أن تعرقل تطوّرها، ولكن مهما حاولوا ذلك، عهدٌ علينا كأساتذة للجامعة اللبنانية أن نكمل ونكافح باللحم الحي للحفاظ على جامعة الفقراء التي لن نتخلّى عنها، وذلك لإيماننا بها وبرسالتنا التعليمية".
إزاء المحاولات المستمرة التي تقوم بها كل من رئاسة الجامعة اللبنانية وأساتذتها وموظفيها ومدربيها في مهمة إنقاذها من التلاشي والانهيار، الى متى يمكن أن تتحمّل كلّ هذا الظلم الحاصل بحقها؟ وهل نحن أمام ضرب الجامعة اللبنانية لمصلحة الجامعات الخاصّة؟