Advertise here

"بعدنا طيبين قول اللّه"

08 شباط 2022 22:26:51

ستة وأربعون عاماً انقضت على البرنامج الإذاعي الذي كان يعدّه الفنان زياد الرحباني. ستة وأربعون عاماً ولم يتغيّر القول بشكر اللّه على أننا ما زلنا أحياء في لبنان. ستة وأربعون عاماً مرّت وما زلنا داخل النفق المظلم، من سيّء إلى أسوأ، وفي مسار إنحداري نحو المجهول. 

إنّ ما أعدّ كتابته زياد الرحباني عام 1976 في برنامجه، "بعدنا طيبين قول اللّه"، ما زال ساري المفعول، بالرغم من تغيّر بعض الشخصيات، وبعض الاصطفافات، وبعض المحاور.

كم هو صعبٌ كتابة تاريخ لبنان بالمتغيّرات التي عصفت به، أقلّه منذ نصف قرن، أو حتى منذ قرن، أي منذ إعلان دولة لبنان الكبير. لقد أُعلن عن كيان، ولم يتم الإعلان عن دولة جمعت المناطق على بعضها البعض، ولم تجمّع الفئات الشعبية بعضها مع بعض لتؤسّس دولة. كان هنالك رؤيتين، واحدة توجّه أنظارها للشرق وأخرى توجّه أنظارها للغرب، وما زلنا منذ ذلك التاريخ نعيش الواقع نفسه: اصطفافات متناقضة واحدة لمحور الشرق وأخرى لمحور الغرب، مع العلم أنّ مكونات كل من الشرق والغرب تغيّرت منذ قرن إلى اليوم. تغيّرت مكوّنات المحاور ومضامينها وأطرافها، لكن ما زال المسؤولون اللبنانيّون منقسمين ضمن محاور متناقضة ومتواجهة، وكل طرف يبني متاريسه على حساب دولة لبنان، وشعب لبنان، ومؤسّسات لبنان.

يغدقون علينا الشعارات: الانصهار الوطني، التعايش، السلم الأهلي، وحدة وسيادة الأراضي، الوفاق الوطني، بينما الواقع يختلف كلياً. كل طرف مشارك في السلطة يحمي ملّته وبيئته، ويحاول تحصين وضعه. أمّا فيما خصّ بناء الدولة فهو لأمرٌ منسيٌ تماماً.

 يخوضون معارك في القضاء من أجل تنصيب محاسيبهم وأزلامهم في مواقع القرار، ويعملون على المناقلات الدبلوماسية لإيصال ممثليهم إلى السفارات في الدول التي لها دور وموقع على الساحة الدولية. يعيّنون الضباط في مواقع تخدم مصالحهم وأهدافهم. لم يلجأوا يوماً إلى اتّخاذ القرارات التي تؤدي إلى استعادة هيبة الدولة ودورها. لم يتّخذوا قرارات على صعيد السلطة لتطوير إدارات الدولة، وإدخال الموظفين الأكفاء إلى ملاكها.

سيصل اللبنانيون إلى نصف قرن من معاناتهم بالكهرباء. كيف يمكن إفهام هذا الشعب عن عجز أركان السلطة بعدم إيجاد حلٍ لموضوع الكهرباء. 

كيف يمكن إقناع هذا الشعب أنّ لبنان العائم على بحيرات جوفية من المياه لا تنعم بها في فصل الصيف، وحتى في الشتاء، بعض القرى والبلدات. كيف يمكن إعطاء تفسير للشعب عن الهدر الحاصل في كافة المشاريع التي تلزّمُ من قِبل الدولة. المواطن يدفع الضرائب على شتى أنواعها، ولا يحصل على أدنى حقوقه المتمثّلة بالماء، والكهرباء، والهاتف، وحتى الصرف الصحي في العديد من القرى والبلدات.

يعيش اللبنانيون أزمات متتالية، من مالية واقتصادية، مروراً بالسياسية والأمنيّة، وصولاً إلى الإدارية والدستورية. أما الحلول فهي مرتبطة بالتطورات الإقليمية والدولية. وطبعاً، أرباب السلطة يعيشون في عالمهم الخاص. عالم الدجل والنفاق. عالم الصفقات والسمسرات. عالم تقسيم الجبنة وتفتيت الدولة. 

في ظل هذا الواقع المرير، وفي ظل التأكيد أنّه في بلد التناقضات والاختلافات المتواصلة. في لبنان التنوّع الذي يتغنّون به، فإن التاريخ يعيد نفسه، مع اختلاف وتغيّر الأدوار. لكن للأسف لا مسؤوليه يتعلّمون، ولا السلطات المتعاقبة تتعظ، بينما المواطن يدفع الأثمان الواحد تلو الآخر، ثمن غياب الدولة، وترهّل المؤسّسات، وتدمير مستقبل شعب. وسيستمر قول الرحباني في المدى المنظور، معبّراً عن وضع اللبنانيّين، "بعدنا طيبين، قول اللّه".