تصعَد الأحزاب والقوى المحسوبة على المحور السياديّ سُلّم التحضيرات التنسيقيّة لخوض الانتخابات النيابية، انطلاقاً من اجتماعات هادفة إلى تقريب وجهات النظر والبناء على العناوين المؤكّدة ضرورة التعاون. ولا شكّ أن قرار عزوف الرئيس سعد الحريري عن خوض الاستحقاق النيابيّ، أدّى إلى تغيير في تركيبة الصورة الانتخابية وضرورة الاحتكام إلى صيغة غير كلاسيكيّة لجمع تفاصيلها. وكانت تكوّنت مؤشّرات لدى الحزب التقدمي الاشتراكي بأنّ الحريري يتّجه نحو العزوف عن المشاركة في الاستحقاق الانتخابي، على أثر زيارة النائبين تيمور جنبلاط ووائل بو فاعور إلى دارته في الإمارات العربية المتحدة. ولم يصل اللقاء حينذاك إلى خلاصات واضحة حول التوجهات النهائية، لكن الأجواء العامة للنقاش أوحت بأنّ خيار رئيس "المستقبل" ينحو باتجاه الاعتكاف. ثمّ زار بو فاعور معراب والتقى رئيس "القوات" سمير جعجع في لقاء تمهيديّ للتفاهم الانتخابي، تمّ خلاله التأكيد على ثبات العلاقة بين المكوّنين والاستعداد لخوض الانتخابات على لوائح واحدة انطلاقاً من العناوين الاستراتيجية والسيادية الجامعة. وحصل هذا اللقاء بين الاشتراكي و"القوات" وسط مناخات لدى الطرفين، بدأت تستشعر أهمية الاحتكام إلى مقاربة جديدة في خوض الاستحقاق. وأتى ذلك باعتبار أن الانتخابات ستُخاض في غياب القطب الثالث للتحالف التاريخي الذي انطلق منذ حقبة "انتفاضة الاستقلال". ولم تلبث هذه الأجواء أن تأكّدت مع إعلان الحريري قرار تعليق مشاركته في الاستحقاقات السياسية.
بعدئذٍ، انعقد الاجتماع الثاني بين التقدمي و"القوات" (ضمّ النائبين أكرم شهيب ووائل بوفاعور في معراب)، في مرحلة ما بعد إعلان العزوف الانتخابي الحريريّ كمتغيّر فرض نفسه على الساحة اللبنانية. وخلص الاجتماع المطوّل إلى تأكيد المكوّنين على استقلالية الصوت السنيّ وغياب أي هدف وراثيّ خلافاً لما تناقله البعض. وأكّد رئيس "القوات" خلال الاجتماع عدم نيّته وراثة أحد، مع الإشارة إلى أن هؤلاء الناس صنعوا معنا كلّ المحطات الاستقلالية. ولفت إلى أن المناشدة التي وجّهها للجمهور "المستقبليّ" منبثقة من التحالف التاريخي والمنطلقات الاستراتيجية والعلاقة الوطيدة. ولم تأتِ من باب وراثة تيار "المستقبل". وأضاء جعجع على أهمية الصوت السنيّ الموحَّد إلى جانب قياداته السنية مع الحلفاء، مع وضع سطرين تحت عبارة "قياداته السنيّة". وبات واضحاً الرهان الكبير على دور أساسي للرئيس فؤاد السنيورة في مواكبة الانتخابات إلى جانب الجمهور السياديّ السنيّ، من خلال المشاركة الانتخابية عبر تحالفات مع الأحزاب المحسوبة على المحور السيادي. وينطلق الرهان من أهمية شخص السنيورة الذي لطالما شكّل "رأس حربة" في المشروع الاستقلالي. وتستمرّ محاولات جمع القوى السيادية في المواجهة السياسية مع مشروع "حزب الله" - "التيار الوطني الحرّ" واستلامه المفاصل الأساسية في الدولة وصولاً إلى الواقع الحاليّ.
وتأكَّد انعقاد اجتماع مهمّ بين الرئيس السنيورة والوزير السابق ملحم الرياشي كمقدّمة في سبيل بناء الأسس الأساسية للتلاقي والتعاون بين القوى والجماهير الـ14 آذارية. ومن جهته، يعمل الحزب التقدمي على حراك بارز في سياق رأب الصدع وتقريب المسافات بين قيادتي "القوات" وتيار "المستقبل"، في إطار التأكيد على أهمية التلاقي وتوطيد العلاقات وسط مرحلة مهمّة تشهدها البلاد. وتقول مصادر مواكبة لهذا الحراك في التقدمي لـ"النهار" إن الحزب الاشتراكي لطالما بحث عن معايير الوفاق والانفتاح والمصالحات والتسويات مع التمسك بالثوابت الوطنية وانطلاقاً منها. ومن هذا المنطلق، يؤدي التقدمي دوراً أساسياً على صعيد الاستحقاق الانتخابي والعلاقات العامة. وتلفت المصادر إلى أن هذا الحراك ليس غريباً على النهج الذي يتّبعه التقدمي، مع الاتجاه لبلورة نتائج ايجابية على صعيد تقريب وجهات النظر، خصوصاً أن ما يجمع هذه المكوّنات لا يقارن بالتباينات التكتية أو اعتبارات سوء التفاهم التي يمكن حلّها وإصلاحها خلافاً لكلّ الرهانات المضادة.
في غضون ذلك، تزيد النفحات الايجابية الانتخابية، مع إشارة مراقبين إلى عمل الرئيس نبيه بري بدور طليعيّ في إطار الوقوف كمقاتل تشريعيّ ضدّ إقرار الدائرة 16. وهذا ما تلمّسه أكثر من فريق سياسي في الأسابيع الماضية. ويعني ذلك تلاقيه موضوعياً إلى جانب "القوات اللبنانية" في مواجهة مسعى "التيار الوطني الحرّ". وهناك من يردّد في المجالس السياسية أن ذلك ينعطف على العلاقة المتراجعة بين الطرفين، وباعتبار حركة "أمل" أنّ وصول "التيار البرتقالي" إلى سدّة الحكم أدّى إلى تدمير الدولة، بما يؤشر من نظرة مراقبين إلى أن "الحركة" لا تحبّذ استعادة "التيار" لكتلة نيابية وازنة. ويشير هؤلاء إلى أنّ التحالف الانتخابي المرتقب بين "أمل" و"التيار الحرّ" في الانتخابات يأتي انطلاقاً من تحرّك "الحزب" في هذا الاطار، علماً أن المعلومات تؤكّد اتجاه "أمل" إلى التحالف مع "الحزب" على امتداد الدوائر الانتخابية التي تتمثّل بمقاعد للطائفة الشيعيّة، بما يعني التحالف الثلاثي. ولم تخفت بعد علامات الاستفهام عن إمكان إعادة طرح الدائرة 16 في المجلس النيابي من خلال تقديم قانون معجل مكرّر على الرغم من رفض الرئاسة الثانية، وإذا كان "الحزب" سيضغط في هذا الاطار بما يعني الاتجاه إلى عدم حصول الانتخابات في موعدها. ويبقى الحصن الأقوى للصوت الاغترابي والموعد الانتخابي متمثلاً بالتأكيد الدولي على أهمية الاستحقاق المنتظر، مع إضاءة مراقبين على أهمية الانتخابات بالنسبة إلى العرب أيضاً كرسالة أساسية مفادها: "إياكم واللعب في موعد الانتخابات".