لم تكن زيارة وزير خارجية الفاتيكان بول ريتشارد غالاغير إلى لبنان زيارة عادية. فلبنان يشكل هماً أساسياً للفاتيكان. وتعتبر مصادر متابعة أن هناك محاولات جدية لإنقاذ لبنان من أبواب متعددة، أبرزها اجتماعياً، ومن خلال وفود كنسية تزور الحاضرة الفاتيكانية، أو بعد زيارات أجرتها شخصيات سياسية ومسؤولون.
أبعاد الزيارة
وهناك بوابة سياسية للإنقاذ: تفعيل الاهتمام الدولي بلبنان. ولا حاجة للتأكيد بأن الفاتيكان يتبنى اقتراح البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي يدعو إلى عقد مؤتمر دولي لحياد لبنان وحلّ الأزمات المتراكمة فيه. واهتمام الفاتيكان بلبنان له أبعاد متعددة، ثقافية وفكرية ومؤسساتية، وحفاظاً على المؤسسات التي ميزّت التفرد اللبناني، كالإرساليات في القطاعات الطبية والتعليمية.
واكتسبت زيارة غالاغير أهمية على المعنى الاجتماعي: مواكبة الخطط التي وضعت سابقاً ومنذ اندلاع الأزمة، والإشراف عن آلية تنفيذها. ولذلك حضر اجتماع المطارنة الموارنة. وهناك بعد دولي يتعلق بضرورة السعي لحلّ الأزمة اللبنانية، وإعداد تقرير حول تحريك دوائر الفاتيكان للضغط على المجتمع الدولي. والتقى غالاغير رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان، للتأكيد على التعايش الإسلامي المسيحي، كالتمسك بالتنوع والعيش المشترك والمناصفة في مواجهة كل الحديث عن الفرز الطائفي والمناطقي.
مؤتمر دولي
ويعمل الفاتيكان بكل جدية على التحضير لمؤتمر دولي خاص بلبنان، لإخراجه من الأزمات المتوالية، ولعدم تحويله إلى حالة الصوملة، وإبقاء المؤسسات قائمة فيه. ويمارس الفاتيكان ضغوطاً مكثفة في الغرب، على واشنطن والدول الأوروبية لإبقاء الاهتمام بالملف اللبناني وتحييده عن الصراعات في المنطقة.
وتشير المعلومات إلى وجود تنسيق فاتيكاني مع دول الخليج للبحث في تحييد لبنان عن المزيد من الانهيارات. وسياق عمل الفاتيكان معروف: العمل على المدى الطويل وبنفس طويل.
زيارة البابا
وضمن هذا السياق يؤكد البابا فرنسيس استعداده لزيارة لبنان من دون تحديد هذا الموعد. وتقول مصادر متابعة إن هذه الزيارة سيكون موعدها مرتبطاً بما يمكن تحقيقه دولياً على صعيد الاهتمام بالبلد، لتكون الزيارة عنواناً للإعلان عن مشروع ما.
ولا يمكن تحقيق ذلك من دون الوصول إلى اتفاق إقليمي- ودولي. فمن الناحية الواقعية يبدو مستحيلاً الذهاب إلى خيار تحييد لبنان عن صراعات المنطقة، وقد انخرط فيها أفرقاء أساسيون في لبنان. لذلك، فإن أي مدخل للحلّ أو للتحييد لا بد من أن يرتبط بالاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، والبحث فيما بعد بملفات المنطقة.
هنا تدخل العوامل العالقة والمتعددة، أولها الشروط الخليجية المنسجمة مع الشروط الدولية، لإعادة تعزيز العلاقات مع لبنان وتقديم المساعدات له. ولذلك يعود الحديث بقوة إلى القرار 1559 انطلاقاً من الشروط الخليجية التي تم تسليمها للمسؤولين اللبنانيين، فيما لبنان لا يزال يحاذر مقاربة هذا الملف. وهو أمر لا يرضي الخليجيين ولا القوى الغربية.
ملفات عالقة
في موازاة هذا الملف، هناك ملفات أخرى تبقى عالقة: ترسيم الحدود الذي ينتظر توافقاً لبنانياً من شقين. الأول على آلية إنجاز العملية، والشق الثاني حول المساحة التي يطالب بها لبنان ويحصل عليها. ويرتبط الملف أيضاً بالبحث في مصير سلاح حزب الله الثقيل والدقيق في الجنوب، لا سيما الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة، أو الصواريخ البحرية التي سبق وأعلن عنها حزب الله. وهذه كلها تحتاج إلى توافقات إقليمية كبرى قد تنطوي على الذهاب إلى خيار تغيير النظام أو اعتماد توازنات جديدة فيه.
وعلى مسافة من كل هذه الطروحات، لا تزال الأصوات اللبنانية داخل الولايات المتحدة الأميركية تدعو إلى إقامة منطقة عازلة أو غير خاضعة لنفوذ حزب الله على الأراضي اللبنانية. لكن ذلك لا يغدو كونه مشروعاً سيؤسس لإنقسامات كبيرة وتوترات أكبر، يمكن وضعها في خانة المشاريع الانتحارية التي تسهم في إضعاف البلد أكثر وأخذه إلى ما يشبه التقسيم.