Advertise here

إمرأة جميلة

02 شباط 2022 21:24:08

امرأة جميلة، أنيقة، مثقّفة، مربّية، اختبرت الحياة وعاشت مراحل عمرها بتأنٍ ما أكسبها الحكمة والحنكة والوقار وحسن التّصرّف، هي امرأة تجاوزت الخمسين من عمرها، وربّت أسرة كريمة محترمة معلّمة مقدّرة. جعلت من أبنائها وبناتها مثال المواطنين الصّالحين، المتّكلين على أنفسهم، أبطالًا، أقوياء البنية، وصافيي البنية. لهم حضورهم ومكانتهم.

طُرِح عليها سؤالان: 1- بعد أن وصلت إلى هذا العمر وهذا المقام ما يجدر بك أن تقفي عنده وتعطيه دمك؟

2- من يستحقّ أن تغامري بحياتك لأجله؟

فأجابت: يجدر بي أن أقف عند وطن أعيش فيه بسلام واطمئنان واستقرار، يَأْمَن شيخوختي، ويحضن عجزي، ويراعي أيّام عمري المتبقّية، ويحميني من الجوع والذّلّ والفاقّة. أقف عند وطنٍ عمادُه المحبّة وركنه الأمان وسلاحه العلم والثّقافة، وطن  يحمي أبناءه ويصون رزقهم ويعلي شأنهم مقيمين ومغتربين، وطن يساوي أوطان العالم بنظر أبنائه، يقدّر كفاءاتهم ويعزّز الصّناعة والتّجارة والخدمات. عند وطنٍ لا يموت فيه المريض أمام المستشفى لأنّ المواطن لا يمكنه دفع الفاتورة. عند وطنٍ يشعّ نورًا  نور عقول ونور علم ونور كهرباء. عند وطن لا يبيع مياهه ومواطنوه يشترون المياه في القناني، يتاجر بلقمة عيش الفقير وبمرافقه الأساسيّة. عند وطن لا يستغلّ الشّمس لتوليد الطّاقة الشّمسيّة الّتي  تجبر المواطنين دفع فواتير موتار توليد الكهرباء من خلال المازوت، وفواتير الكهرباء من خلال الفيول. عند وطن يهتمّ بالإصلاح وبناء البشر، إصلاح مقوّمات العيش المشترك المتطوّر، وعدم الهدر والنّزف. "لماذا لا تجرى العمليّة الانتخابيّة مثلًا عبر تطبيق إلكترونيّ؟ لماذا لا تجرى مناقصات في التزام مشاريع تنمويّة؟  لماذا يتفلّت سعر الصّرف؟ لماذا يتمّ التّلاعب بالأسعار؟" وبناء البشر يتولّد بالاهتمام بالتّعليم وتطوير المناهج والحرص على تنمية عقول النّاشئة وصقلها بالتّهذيب الفنّيّ والأدبيّ والمعرفيّ، لا أن تستغلّ الكفاءات  والخبرات لمصالح خاصّة كما يحصل اليوم في الجهّات الخاصّة الّتي تعمل على تطوير المناهج لحساباتها الخاصّة.

أمّا الجواب عن السّؤال الثّاني: مَنْ يستحقّ أن تغامري  بحياتك لأجله؟ فالجواب هو: الرّجل الّذي شارف على السّتّين من العمر لأنّه اختبر الحياة، وفهم معنى الوجود، وتعمّق بأبعاد الأشياء. فهو الشّجرة الّتي ربيت ونمت وصمدت في وجه الرّيح وأثمرت وأنتجت وحان وقت استراحتها وهدوئها. فهو الجذع الصّامد والرّاسخ والصّادق في مشاعره، تجذّر في الأرض وتفرّعت جذوره واستمدّ من كلّ خطوة في حياته تجربةً أكسبته درسًا مفيدًا. فهو هادئ وحاسم في مواقفه، كبير في شأنه، عاقل في رأيه، حنون في معاملته، عظيم في إحساسه، رزين في كلامه، لطيف في معشره. قطع مرحلة الطّفولة واحتفظ ببراءتها، وتجاوز مرحلة الصّبا واقتطع منها الحبّ، تجاوز مرحلة المراهقة واكتسب منها الاهتمام، رسا في مرحلة الكهولة وفاض حنانًا وألفةً ومحبّةً ورقيًّا ووقارًا. بنى أسرة واحتضن أبناءَ وبناتٍ ورافق شريكة دربه وأحسن معاملتها، وردّت له الجميل احترامًا ووفاءً وتقديرًا وهناءً ووداعةً.

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".