Advertise here

المواقع والأنانية

19 كانون الثاني 2022 21:45:22

 

لو تمكّن البشر من إصلاح نفوسهم، ومن إزالة أنانيّتهم الفردية، ومن تمكين ذاتهم الحقيقية من أجل أن تتجلّى على تمامها، لما كانوا بحاجةٍ إلى تعديل أنظمة، ولا اشتراع قوانين..*

 كمال جنبلاط

في الروضة الخاصة بأطفال اليابان يلعبون لعبة الكراسي. يأتون بتسعة كراسٍ لعشرة أطفال، ويقولون للأطفال بأنّ عددكم أكبر من الكراسي. فإذا أحدكم بقي دون كرسي يخسر الجميع،
فيحاول جميع الأطفال المشاركين في اللعبة احتضان بعضهم البعض لكي يستطيع عشرة أطفال الجلوس على تسعة كراسٍ.
ومن ثمّ يقلّلون عدد الكراسي تباعاً، مع بقاء قاعدة أنّهم يجب أن يتأكدوا بأنّ لا يبقى أحدهم دون كرسي، وإلّا خسروا جميعاً، فيتعلّم الطفل منذ الطفولة  ثقافة، "لا نجاح لي دون مساعدة غيري على النجاح"...

وبالتأكيد ترون نتائج هذه الثقافة في الشوارع، وأماكن إنجاز المعاملات، وفيما يجب أن يكون طابوراً، ثقافة التعاون خطوة لسعادة أكبر.

أمّا في البلدان العربية فيأتون بتسعة كراسٍ لعشرة أطفال، وينقولون للأطفال بأنّ الرابح هو مَن يحصل على الكرسي، ومَن يبقى بدون كرسي يكون خارج اللعبة...

ثمّ يقلّلون عدد الكراسي كلّ مرّة، فيخرج طفل كلّ مرّة حتى يبقى طفلٌ واحد، ويتم إعلانه أنّه الفائز، فيتعلّم الطفل منذ الصغر ثقافة "نفسي، نفسي،  ولكي أنجح علّي أن أزيح غيري"..!!

وللأسف ثقافة "نفسي، نفسي، نفسي" 
هذه واضحة في مجتمعات بعض الأوطان.

كم تشبه ثقافة البعض في وطننا (هذه الثقافة).
وطننا هو تاريخنا، وشرفنا، وماضينا، وحاضرنا، ومستقبلنا، لكن أرهقته هذه الثقافة، وتاه فيه الآلاف من الضعفاء، ليس باسم الدِّين، وليس باسم الحفاظ على حقوق طائفة، أو باسم الفقراء، والمشردين، والجائعين، والواقفين في طوابير الذل على أبواب المصارف والمستشفيات، وأبواب السفارات طالبين الهجرة، وليس باسم العاطلين عن العمل نتيجة إفلاس مؤسّسات و...

بل من أجل مواقعٍ، وكراسٍ، وأحلامٍ لأنانيّاتهم.

ونقول لهم كفى ثقافة بالية مؤذية للوصول لمواقع وكراسٍ، والتي كرّستها دساتير ظرفية طائفية...
 وارجعوا، واستيقظوا، واستغفروا اللّه..
ولربما يستيقظ الضمير فيكم، واتركوا  أحلامكم وانانيّاتكم، وليس عند كل استحقاق يتحمّل الوطن توتراً، ومشاكلَ، وأزمات، وتحالفات، على حساب المواطن، ومعيشته، ورزقه، وأعماله...

‏اللّهمّ استُرنا بِـسِترِك الحَصين، واعصِمنا بِـحبلِك المتين، واجعلنا مِمَّن لاذَ بِك، فَأَجَرتَه، وفَرَّ إليك، 
فَقَبَلتَه، وخاف منك، فَأَمَّنتَه، وتوكَّل عليك فَكَفَيتَه..
اللّهم، نستودعك وطننا وشعبه وأحباءه..

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".