Advertise here

ما هكذا تورد الإبل يا سادة!!

13 كانون الثاني 2022 12:39:04 - آخر تحديث: 13 كانون الثاني 2022 12:39:57

 جاء الزعم  بأنّ اللبنانيين بمثابة الرهائن في السعودية وباقي دول الخليج باباً للتندّر بين الناس على صفحات التواصل الاجتماعي. غير أنّ اللافت في الأمر ذلك التباين القيمي بين من حاول زجّ اللبنانيين كمادة استثارةٍ دعائية، وبين من ترفّع عن الانجرار خلفها، وبالتحديد حين وضعت قيادة المملكة، ودول الخليج العربي عامةً، خطاً عريضاً يفصل بين وجود الجالية اللبنانية على أراضيها واشتباكها السياسي مع حزب الله. وهذه إضافة جديد لسجلها، مستذكرين الأموال التي بذلتها مجمل دول الخليج في إعادة إعمار لبنان بعد الطائف، ثمّ إعمار الجنوب بعد حرب 2006.

واستطراداً فإنّها لمفارقة أن يأتي من حارة حريك قرار خطف الجنديين الإسرائيليين صيف 2006، ومنه اندلاع شرارة الحرب! وأن تتحمّل تداعياتها  دول مجلس التعاون الخليجي دون سواها من الباقين، ومنهم إيران (الحليف) الأول للمقاومة، حتى يمكننا  القول بثقة بأنّه لولا تلك الدول من مجلس التعاون الخليجي لما أمكن إعادة إعمار الجنوب، أو غيره، في أكثر من مكانٍ لبناني، وقد بلغت كلفته آنذاك أكثر من 10 مليارات دولار. ويبقى الأفدح، والأمرْ من العلقم، أن يُردَّ الجميل لهذه الدول بإرسال من يحاربها  ويهرق دماء أبنائها، ويساعد في تدمير منشآتها. ومَن يدري، ربما أحد هؤلاء المُرسلين للقتال فى اليمن قد سبق للسعودية، أو الإمارات العربية، أن أعادت بناء منزله، أو منزل ذويه المدمّر، في ذلك الصيف الملتهب. إنّها لوقفةٌ لا يرتضيها أي شرع، وتأباها قيَم العروبة وشرف الانتماء، ويرفضها أي عقلٍ يتوخّى المصالح في أوسع، أو أضيق، حلقاتها!! والخلاصة ليس اللبنانيين في الخليج هم الرهائن، بل في لبنان، بلدهم، هم الرهينة !! حيث يدفعون ثمن الذهاب في لعبة الأمم، وفي التفرّد بمواقف أضافت على الداخل اللبناني مزيداً من الأعباء، ومنها يُطرح السؤال، ماذا بقي من الشـعار: "شعب - جيش - مقاومة".

هذا الشعار الذي نادى به حزب الله، وأصرّ أن يكون أحد الثوابت في البيانات الحكومية، وأضحى بالفعل عقداً وطنياً. إلّا أنّ العقد  ينبني على توازن في الحقوق والواجبات بين الأطراف المتعاقدة. فإذا كان من حق المقاومة (على اللبنانيين) الالتفاف حولها وحماية ظهرها، فإنّه من حق اللبنانيين عليها بالمقابل أن تحفظ مصالحهم. لقد أوفى اللبنانييون بعهدهم حيال المقاومة، ملتفّين حولها قبل وبعد التحرير، وبلغوا الذروة في احتضانهم لمئات الألوف من الجنوبيين، نازحين صيف 2006 اتقاء القصف الإسرائيلي. لكن في الجهة المقابلة أظهرت الوقائع أنّ المقاومة التفّت على ميثاق "شعب- جيش- مقاومة" حين اقتصر التزامها على المناداة بحقوقها من دون  واجباتها، ومنها مراعاة خصائص لبنان وتكوينه الإثني والتاريخي ومصالح أبنائه، وهي مصالح تفرضها القاعدة الشرعية: "لا ضرر ولا ضِرار"، كما جاء في الحديث النبوي الشريف.

من هنا وجد معظم اللبنانيين أنّ خروج حزب اللّه من نطاقه الوطني كمقاومة لبنانية إلى الاصطفافات الإقليمية، وحيث لعبة الأمم، هو التفاف على ميثاقية "شعب- جيش- مقاومة". فهذه الميثاقية تستوجب مراعاة اعتبارات الشريكين الآخرين، فلا يجوز للحزب أن يستنسب لنفسه الذهاب بعيداً ليخوض حروباً في العراق أو اليمن، بل وحتى كوسوفو، بل لعل هذا الاستنساب والتفرّد بالقرار شكّل نقطة افتراق، وأثار ذكريات حرب 2006، ومنه السؤال: هل كانت الحصيلة السياسية لهذه الحرب تتناسب وحجم الخسائر البشرية والمادية التي الحقتها بلبنان؟ هنا نستعيد كلمة السيّد في مقابلة تلفزيونية بتاريخ 26-8-2006، وقد جاء فيها: "إنّ قيادة الحزب لم تتوقع، ولو واحداً بالمئة، أنّ عملية الأسر ستؤدي بهذه السعة، وبهذا الحجم، ولو علمت أن عملية الأسر كانت ستقود إلى هذه النتيجة لما قمنا بها قطعا!"

"ما هكذا تورد الإبل" ياسادة... وآخرها الحرب على طارق بيطار، وثمارها شلل مؤسّسة مجلس الوزراء، وبالتالي المزيد من الفاقة، شعباً وجيشاً. فاقةٌ لاتستثني أحداً، والحزب ومن خلفه ليسوا لها !!..

"رحم اللّه امرئٍ عرف قدر نفسه فوقف عنده".

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".