Advertise here

الحل لم يكن في الثنائيات ولن يكون في المثالثة

04 كانون الثاني 2022 16:22:59

تشير كافة المعطيات إلى أنّه مع اشتداد الأزمة التي تعصف بلبنان، ومع ازدياد الخناق على العصب الاقتصادي، ودخول الوضع السياسي في النفق المسدود، سيأتي الحل إمّا بحربٍ إقليمية تخلط الأوراق، أو بتدخلٍ خارجي ما يفرض الحل. إلّا أنّ الحل في جميع السيناريوهات سيمرّ عبر الجلوس على طاولة حوار داخلية ينتج عنها عقد اجتماعي جديد، أو تعديل لاتّفاق الطائف. والواضح تماماً أنّ طرح المثالثة بشكلٍ مباشر أو غير مباشر سيكون نقطة الارتكاز على طاولة الحوار.

 لم يجعل ميثاق عام 1943 - الذي تمّ التوصّل إليه بين الثنائية المارونية والسنيّة - من لبنان دولة متطورة متقدمة، حتى أنه لم يؤسّس لدولة تحتضن شعبها تحت مظلة العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين، إذ أصبح هنالك فئة يشعر أبناؤها أنّ كافة المواقع والمسؤوليات متاحة لهم، بينما يشعر الآخرون أنّهم مهمّشون ولا يتمتعون بالحد الأدنى من الحقوق في دولتهم. وهذا الواقع كان أحد الشرارات التي أشعلت الحرب الأهلية اللبنانية، وبسبب التدخلات الخارجية تغيّر مسار الحرب، وتبدّلت أهدافها، ولم يتحقّق أي مكسب لتطوير النظام اللبناني.

 أمام ما جرى من أحداثٍ إقليمية وانعكاساتها على الساحة اللبنانية، وتغيّر الديموغرافيا الطائفية في لبنان، وظهور الفكر المذهبي على حساب الفكر اليساري، كل ذلك أدّى إلى المطالبة بتوزيع مواقع الدولة وفق حجم المذاهب، وليس وفق الكفاءة الوطنية، بغضّ النظر عن الانتماء المذهبي. وبما أنّ الموارنة لطالما كانوا يتحدثون باسم المسيحيين ويحصرون المطالب بخطاباتهم باسم المسيحيين، فقد أتى الحديث المخفي في الكواليس حول تحقيق المثالثة في الواقع، وإن كان هنالك صعوبة في إعلانها وإقرارها أمام الرأي العام، وطبعاً المثالثة بين السنّة والشيعة والموارنة، مستندين إلى أنّهم يمثّلون المذاهب الأكثر عدداً في لبنان.

 هنا تكمن المعضلة الكبرى. مَن قال إنّ الانتماء المذهبي هو المعيار في كفاءة الإنسان؟ ومَن قال إنّ الطوائف الأكبر عدداً هي أعلى شأناً عند الله مقارنةً بالمذاهب الصغيرة؟ وبأي حقٍ يُمنع مواطن من تولي مسؤوليات في الدولة في وظائف الفئة الأولى والفئة الثانية؟ والأغرب من ذلك يتحدّثون عن الدولة المدنية، ويكرّسون التوزيع المذهبي في تقاسم الحصص.

لم تعطِ الثنائية عام 1943، أي منحى لتطوير النظام اللبناني، وبالتالي لن يعطي أي مفهوم وفق المثالثة منحى متطوراً للنظام اللبناني، بل بالعكس سيكرّس التفرقة بين المواطنين بين أبناء ست وأبناء جارية، وسيتكرّس الولاء المذهبي على حساب الولاء الوطني، وستبقى المذاهب وزعماؤها هي المرجع الأساسي للمواطن بدلاً من الدولة.

هذا الواقع سيؤدي بطبيعة الحال إلى حرب أهلية جديدة مع مرور الزمن. وهذا الواقع سيزيد نسبة الهجرة للشباب الذين يشعرون بوجود جدران تقف سداً منيعاً ضد تحقيق طموحاتهم وتوليهم مناصب عليا. 

إنّ الانتماء للوطن هو المعيار الأساسي. فقيمة الإنسان ودوره لا يقاسان وفق العددية المذهبية بل وفق المبادئ والقيَم التي يتمتّع بها، ووفق المسلك السليم الذي يسير عليه في حياته. فكفى كذباً ونفاقاً من جهاتٍ تدّعي الحرص على الوطنية، بينما مبتغاها الأساسي هي المذهبية. هذه المذهبية التي تفرّق ولا توحّد، وتأخذنا إلى مزيدٍ من التشرذم والانقسام.

سيبقى لبنان ينازع، وسيبقى الشعب اللبناني يعاني، وستبقى الأزمات بشتى أنواعها تخيّم على لبنان طالما أنّ الحلول التي يتمّ التفكير فيها هي لتحصيل حقوق المذاهب وزعمائها، وليس الدولة بحد ذاتها مع مؤسّساتها وإداراتها.