Advertise here

القابضون على الجمر

01 كانون الثاني 2022 10:35:00

لا يختلف اثنان على أن ما يعيشه لبنان واللبنانيون منذ خريف العام 2019 مشاهد مأساوية متلاحقة من انهيار لم تنتهِ فصوله بعد. فقد كانت، ولا تزال، تتساقط الأزمات فوق رؤوس الناس كتساقط أحجار الدومينو في تكرارٍ مستمر ينذر بالمزيد للأسف، خصوصاً وأن الموكلين العمل على وقف هذا التدهور القاتل تُراهم يحفرون عميقاً في قعر الهاوية، ولا يحفلون سوى بحسابات أنانية فئوية، فيبقى لبنان بذلك في الانهيار المتواصل.

وإذا كانت سنة 2021 قد انقضت أياماً، إلا أنّ أثقالها تحتاج أعواماً لكي تنقضي، وقد تعززت بأثقال السنتين السابقتين، وموعودة على ما يبدو بأثقال جديدة في العام الجديد لكون المؤشرات لا توحي بأن 2022 سوف تختلف عمّا سبقها، طالما أن قرار إنقاذ البلاد ممنوع من الصرف.

في ظل كل ذلك، ثمّة من يطرح السؤال التالي: لماذا لا نرحل؟ لماذا لا نهاجر؟

من نافل القول إن الهجرة ليست جريمة على الإطلاق إذا ما كانت بحدودها المعقولة. والهجرةُ ظاهرةٌ بشرية قديمة قِدم وجود البشر، ساهمت في انفتاح الحضارات على بعضها البعض وتبادل الخبرات والمهارات والمعارف والاختراعات والمنتجات، ولبنان تحديداً استفاد كثيراً من أبناءه المغتربين والمهاجرين في الكثير من المجالات، لا سيما في الأزمة الراهنة لناحية دعمهم المُقدّر لصمود المقيمين. الا أن ما يحصل هذه الأيام ليس بالهجرة الطبيعية، فالواقع يدل على مغادرة الكثيرين من أصحاب القدرات والإمكانات والنُخب في كل المجالات، بالإضافة إلى هرب العديد من لوعة العيش هنا، وهذا يعني تغيّراً بنيوياً واختلالاً في ميزان الفرص الممكنة ولو بعد حين لإعادة استنهاض البلاد.

لأجل ذلك فإن قرار البقاء هو تحدّ شجاع وخيارٌ جريء وتضحية شخصية في سبيل العام، رغم أن البعض قد ينظر لهذه المقاربة على أنها بمثابة انتحار، أو ربما غباء، لكن أولئك الذين يؤمنون بضرورة الإمساك بجذوة الأمل هم الذين يتكّئ عليهم مستقبل البلاد، وهذه حقيقة لا لبس فيها. 

العبء أكبر ويكبر، صحيح، لكن الأمل لن ينطفئ، وسيبقى الإيمان بلبنان راسخاً ولو كان القابضون على هذا الايمان كمن يقبض على الجمر.