Advertise here

من يملأ الفراغ؟ المسألة لم تعد تَرَفاً...

23 كانون الأول 2021 07:16:44

بدأت ظاهرة استقدام العمالة الأجنبية في لبنان تنتشر بمنحى تصاعدي بعيد انتهاء الحرب الأهلية عام 1990. أمّا ما جعل من لبنان أرضاً خصبة لاستقطاب العمالة من جنسيات مختلفة، لا سيما العربية والأفريقية والشرق - آسيوية منها، فهو، إضافة إلى البعد المادي، المساحة التي يتيحها البلد لناحية حرية ممارسة الشعائر والعادات، ما يوفر للعامل الأجنبي فرصة الانخراط المجتمعي السلس على عكس بلدان أخرى أكثر محافظة وتحفظاً على هذا الصعيد. وهو ما أضاف تنوعاً على مجتمع غني بتنوعه أصلاً وكانت له نتائجه الملموسة في تنشيط قطاعات وملء وظائف عدة.

في العام 2019، ومع بدء جائحة كورونا وما سبقها وتلاها من ترنح الوضع الاقتصادي هبوطاً، برزت للعيان مسألة "إعادة هيكلة" سوق العمالة الأجنبية في لبنان. فخلال سنتين، تراجع، بحسب الأرقام، عدد سمات العمل الجديدة بنسبة 85%، ما أثّر بالمقام الأول على سوق عمال المتاجر والخدمة المنزلية ومحطات المحروقات والمطاعم، وجمع النفايات والزراعة ونواطير الأبنية وغيرهم. والحديث في هذا الإطار هو طبعاً عن العمالة الشرعية لأن لتلك غير الشرعية بحثاً آخر.

في المقلب الآخر، شهد لبنان موجات عدة من الهجرة لغايات العمل خلال الحرب الأهلية وبعدها، لتتزايد بشكل لافت مع ارتفاع أسعار النفط وخلق فرص عمل في دول الخليج برواتب مغرية. الأحداث الأمنية من اغتيالات وتفجيرات وحروب وتقهقر اقتصادي خلال الـ15 سنة الأخيرة، سرّعت هي الأخرى من وتيرة تفريغ البلد من الكفاءات والطاقات الشبابية. وعلى الرغم من أنّ التحويلات التي كان ولا يزال اللبنانيون في الخارج يرسلونها إلى ذويهم شكلت جزءاً مهماً من الناتج المحلي الإجمالي عبر السنين، إلّا أنّها أفقدت البلد قيمة مضافة كان يمكن استغلالها لتطوير الاقتصاد لو لم يغادر هؤلاء بأعداد كبيرة أساساً.

للمفارقة هنا ولأسباب اقتصادية تتعلق بالجائحة وتوتر العلاقات الدبلوماسية مع دول الخليج، ثمة أيضاً بوادر تبدّل في دينامية توظيف اللبنانيين في الخارج بشكل عام والخليج بشكل خاص. والحال أن الشركات – والأخبار المتواترة الآتية من هناك تؤكد على ذلك – شرعت بـ"اقتناص" فرصة واقع الأزمة اللبنانية لتخفيض رواتب اللبنانيين حيث أمكن، خاصة وأن بدائل "توفيرية" أخرى متوفرة من خلال اجتياح عمالة من جنسيات مختلفة للأسواق الخليجية. 

فلنتعمّق أكثر على المقلبين.