Advertise here

أجواء "نووية" متضاربة في فيينا.. وتحذير من تضييع الفرصة الأخيرة

15 كانون الأول 2021 12:37:03 - آخر تحديث: 15 كانون الأول 2021 13:10:12

تستمر مفاوضات الجولة السابعة في فيينا حول الملف النووي الإيراني على مستوى رؤساء الوفود، وسط أجواء متضاربة عن التوصل إلى آلية للعودة إلى الاتفاق السابق الذي وقّعت عليه الأطراف المشاركة في مجموعة (5+1) عام 2015، فالمفاوضون الإيرانيون يتحدثون عن أجواء إيجابية وإمكانية العودة إلى الاتفاق، فيما يحذّر المفاوضون الأوروبيّون من تضييع الفرصة الأخيرة المتاحة، كما يتبادل الطرفان الاتهامات بالعرقلة وعدم الجدية.

كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني، أكّد أن حصول الاتفاق خلال مفاوضات فيينا مرتبط بـ"وجود إرادة جادة واستعداد فعلي لدى الطرف الآخر لتنفيذ جميع تعهداته بالاتفاق النووي من دون أي استثناء"، مشيراً إلى أنّ المفاوضات لم تدخل إلى الآن "مرحلة جادة". واتّهم باقري الإدارة الأميركية الحالية بأنها تنتهج "سلوكاً متناقضاً"، منتقداً قيامها بفرض عقوبات جديدة على إيران في ظل استمرار المفاوضات في فيينا، وأكّد أنّ الأولوية الأولى لإيران هي، "رفع العقوبات غير القانونية والظالمة ضد الشعب الإيراني"، كاشفاً عن "تبادل عدة مسودّات تنصّ على ضرورة إلغاء كل العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة في إطار سياسة الضغوط القصوى".

في المقابل، وجّه أعضاء مجموعة السبع في ختام اجتماعهم في ليفربول تحذيراً لإيران مذكّرين بأنّ مفاوضات فيينا هي "فرصتها الأخيرة". وقالت الوزيرة البريطانية التي تتولى بلادها رئاسة المجموعة، "إنّها الفرصة الأخيرة أمام إيران للمجيء إلى طاولة المفاوضات مع حلٍ جدي لهذه المشكلة"، مشددةً على أنّه "لا يزال هناك وقت لإيران كي تأتي وتقبل هذا الاتفاق"، لكنّ "هذه هي الفرصة الأخيرة"، وحثّت طهران على تقديم، "اقتراح جدي... ومن المهم أن تقوم بذلك لأنّنا لن نسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي".

وفي السياق، أكّدت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، "تكثيف العمل من أجل التوصّل إلى حلٍ دبلوماسي لإنقاذ الاتفاق النووي"، مشيرةً إلى أنّه "ما من بارقة تقدُّم في المحادثات النووية مع إيران". 

من جهته، قال مسؤولٌ كبير بوزارة الخارجية الأميركية إنّ، "الدول الأوروبية اتّفقت على أنّ التوصّل إلى اتفاقٍ مع إيران لا يزال ممكناً، لكن الوقت ينفد". 

مصادر مطلعة كشفت لـ "الأنباء"، أنّ اللجنة المشتركة للاتفاق النووي كانت قد اتفقت على ضرورة عمل لجان الخبراء على، "تحديد جميع النقاط الخلافية المرحّلة من الجولات السابقة وحصرها، فضلاً عن تسجيل الملاحظات الإيرانية على مسودات الجولة السادسة"، قبل أن تنتقل أطراف المفاوضات إلى مرحلة التفاوض حول هذه القضايا العالقة وبحث حلول لها. لكنّ ذلك لم يحصل بعد، وأشارت المصادر إلى أن "الولايات المتحدة كانت قد وافقت خلال الجولة السابقة على رفع 1040 إجراء حظر، تنوّعت بين إلغاء معظمها، وتعليق بعض هذه العقوبات التي فُرضت تحت بند مكافحة الإرهاب، غير أن الحكومة الإيرانية الجديدة رفضت ذلك بعد أن كان الوفد المفاوض السابق برئاسة محمد جواد ظريف قد قبَل بذلك".

وأشارت المصادر إلى أنّ الوفد الإيراني الحالي، "متمسكٌ برفع جميع العقوبات البالغ عددها أكثر من 1,500 عقوبة"، وقالت إنّ إيران "ذكرت أنّ جميع العقوبات المرتبطة بحقوق الإنسان، والصواريخ، ومكافحة الإرهاب، غير مرتبطة بالاتفاق النووي، لكونها فُرضت بعد الانسحاب منه في إطار سياسة الضغوط القصوى". 

هذا التشدّد الإيراني يعكس حيثيّتين، الأولى: أنّ الاتفاق على البرنامج النووي جاهز للتوقيع، والتشدّد ليس على البرنامج النووي بذاته، بل على المطالب الإيرانية المتعلّقة برفع العقوبات، وإعادة صياغة العلاقة الإيرانية – الأميركية، وطريقة استثمار إيران للملف النووي من أجل الحصول على مكانة لها في الشرق الأوسط الجديد، حيث أطلقت إيران شعار الشرق الأوسط الإسلامي، لتبرير وجود أذرعها العسكرية والسياسية في البلدان العربية، ولكي تكون شريكة الولايات المتحدة الاميركية في صياغة الشرق الأوسط الجديد، وأن تكون على مستوى من الندّية مع إسرائيل، وعلى مستوى من التفوّق على السعودية ومصر، وعلى قدرة على التقدّم في تنافسها مع تركيا وروسيا في المنطقة.

ولهذا يتّضح بأنّ الموقف الأميركي من المفاوضات الراهنة لا يرتبط بشروط إضافية على الاتفاق النووي، أو البرنامج النووي الإيراني الذي لا يمثّل تهديداً للإدارة الأميركية، بل هو معبرٌ لطهران من أجل الحصول على حصة وازنة، وشراكة قوية معترف بها من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل بالشرق الأوسط على حساب العرب تحديداً.

لذلك فإنّ التشدّد الإيراني الراهن ينبع أساساً من تجربة الإيرانيين مع الإدارة الأميركية وفريق الرئيس باراك أوباما، حيث تمّ التوقيع على الاتّفاق النووي السابق، والحصول على مليارات الدولارات التي عزّزت دور إيران في الشرق الأوسط، وحيث اكتشفت طهران أنّها قادرة على تمرير تحالفات سرّية وتفاهمات عميقة مع واشنطن تحت عناوين مختلفة، كما جرى في العراق وأفغانستان مستخدمةً شعار محاربة الإرهاب.

الحيثية الثانية، هي أنّ التشدّد الإيراني الحالي يترافق مع حملة تصعيد عسكرية وأمنية وتعطيلية قوية في اليمن والعراق ولبنان، بالتوازي مع المفاوضات الإيرانية – السعودية، ومواقف إيرانية داعية للتعاون والتقارب من الدول الخليجية واعتماد سياسة حسن الجوار، والتي تصدر عن التيّار المتشدّد، لا سيّما الملالي المقرّبين والداعمين لإبراهيم رئيسي، بحيث تتناغم هذه المواقف وهذا التصعيد الموازي مع إيقاع المفاوضات الحقيقية السرّية التي تجري حالياً بين إيران وإدارة بايدن، ومع نفس الفريق المفاوض إبّان إدارة أوباما. فالتشدّد الإيراني الحالي هو نتاج خبرته السابقة التي أنتجت عام 2015 الاتفاق النووي.

لذلك فإنّ الرئيس إبراهيم رئيسي المتشدّد، والذي قاد حملة المنتقدين لأداء الرئيس السابق حسن روحاني، هو من وصف الاتفاق النووي مع مجوعة (5+1) بالمذّل، يخوض اليوم حملة  التصعيد السياسي والعسكري والأمني، من أجل الحصول على شروط اقتصادية ومالية جديدة تمكّنه من القول إنّه استطاع تجاوز النتائج التي وصل إليها الرئيس الإصلاحي، وأنّه حصل على المزيد من المكاسب التي تجعل من التوقيع على الاتفاق قضية ثانوية، وقابلة للتنفيذ من دون أن تهتز المنظومة السياسية الإيرانية، ودون أن يهتزّ الخطاب الإعلامي والأيديولوجي الذي يقوده المرشد وأعوانه بما فيهم رئيسي نفسه.

يمكننا القول إنّ المفاوضات الحقيقية التي تجرى بين أميركا وطهران ترتبط بمستقبل العلاقات وطبيعة العلاقات الإيرانية – الأميركية، وترتبط بحصة إيران كشريك في الشرق الأوسط. فهل الأميركي قادر على تلبية المطالب الإيرانية؟ وهل إيران قادرة على إجبار الأميريكي على تلبية مطالبها؟ 

المصادر الدبلوماسية المتابعة لمجريات المفاوضات السرية الأميركية – الإيرانية، والتي تجري عبر الأقنية المتعددة سواء السويسرية، أو العُمانية، أو القطرية، أو الروسية والصينية، تشير إلى أن هذه المفاوضات لم تتمكّن من تحقيق أي اختراق جدي في "استراتيجية العلاقة الإيرانية- الأميركية الشرق أوسطية، والتي تقوم من وجهة النظر الإيرانية على ضرورة أن تسلّم الإدارة الأميركية بالنفوذ الإيراني وبالدور الجيو- استراتيجي لإيران في المنطقة".

وتخلص المصادر المتابعة لتلك المفاوضات إلى ربط ما يجري في فيينا، وفي المفاوضات السرية، بالمقترح الذي تقدّمت به الخارجية الروسية لإنشاء،  "منظمة الأمن والتعاون في الخليج"، والتي تغطي كامل منطقة الشرق الأوسط، حيث سبق أن تقدّمت روسيا بهذا الاقتراح في العام 2005، وتم تعديله عام 2018، وعاودت صياغته وطرحه داخل مجلس الأمن مجدداً تحت عنوان، "منظمة التعاون الأمني"، والذي تدعو فيه إلى ضمّ الصين وإيران وتركيا وإسرائيل إلى هذه المنظومة دون ذكر اسم اي دولة عربية، سيّما وأنّ هذه المسألة تخصّ المنطقة العربية تحديداً، ما يعني أنّ المفاوضات في فيينا حول الاتفاق النووي الإيراني هي عنوان للتجاذب الإقليمي الروسي والصيني والتركي والإسرائيلي على حصصهم في المنطقة العربية تحديداً، وعليه فإنّ الأمر لن يأتي بالسهولة المتوقّعة في ظل التنافس والتناحر والتدافع بين القوى الإقليمية ذات النفوذ الدولي، مثل روسيا والصين وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وبين القوى الإقليمية مثل تركيا وإيران ومصر والسعودية وإسرائيل.