Advertise here

مرةً أخـرى إنّه الإقتصـاد..!

14 كانون الأول 2021 15:45:25 - آخر تحديث: 14 كانون الأول 2021 15:46:16

لا شكّ أنّ الاقتصاد، وبالأخصّ "حساب التكلفة" كان غائباً عن البحث عند أخذ القرار في زج "المقاومة الإسلامية" في الحرب الدائرة الآن على أرض اليمن. إنّها ليست المرة الأولى على كل حال، وهناك سوابق في مكان آخر  لسنا بوارده الآن. وهنا بعض الأرقام التي تُظهر حجم المصالح اللبنانية في منطقة شبه الجزيرة العربية، والتي كانت خارج مساحة البصر، أو جرى التعامي عنها!!

 1- إنّ اللبنانيّين العاملين في الخليج يشكلون حوالي 11% من مجمل سكان لبنان. وتشير الإحصاءات غير الرسمية إلى ارتفاعٍ في هذه النسبة حتى شارفت حدود 18%، بعد هجرة أعداد من اللبنانيين جرّاء الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمرّ بها لبنان، وهي النسبة الأعلى من بين المقيمين في منطقة الخليج.

2- تقدّر قيمة تحويلات اللبنانيّين العاملين في الخليج إلى لبنان خمسة مليارات دولار سنوياً، وهذه التحويلات تشكّل تعويضاً عن الخلل في الميزان التجاري اللبناني، فضلاً عن أنّها تشكّل شبكة أمان اجتماعية في بلد تخطت نسبة العاطلين عن العمل  فيه  50%.

3- يصدّر لبنان نحو 75% من إجمالي إنتاجه الزراعي، و50% من إجمالي إنتاجه الصناعي إلى دول مجلس التعاون الخليجي.

4- إنّ حلفاء المقاومة الإقليميين غير قادرين على تعويض لبنان فيما لو خسر وارداته من الصادرات المذكورة، ناهيك عن التحويلات المذكورة، بل وحتى ربعها!  

 هنا نسأل كيف تغيب كل هذه الاعتبارات والأرقام عن أعين من قرّر الذهاب إلى الحرب في اليمن، وبالتالي حجم مصالح اللبنانين المهدّدة  جرّاء ردة فعلٍ خليجية؟!! .. هذا وحده يكفي كي نستنتج مدى الحرص، ومدى جدّية مقولة (شعب- جيش- مقاومة)!
       
وربما أيضاً غابت عن أصحاب القرار دروس التاريخ، وحيث  حاضر الأمم حلقة من سلسلة متصلة، أو كما يقول محمد حسنين هيكل: "خطٌ متصل، قد يصعد أو يهبط، أو ينحني، ولكنه لا ينقطع". ومن المتصّل من غير انقطاع هو تكوين لبنان من موزاييك طوائفي، ومن نزعاتٍ ثقافية متعدّدة. وهذا وذاك يؤدي إلى صعوبة بلورة موقف وطني جامع، حتى في أدق القضايا، ومن أبرزها استقلاله حيث انقسم اللبنانيّون، كما نتذكّر، بين مؤيّد للإنتداب وبين مناهضٍ له مطالباً بالعودة إلى الحضن السوري، كما ولنا في حقبة الرئيس الأسبق كميل شمعون دليل آخر، وذلك عندما أراد أن يلتحق بمحور "حلف بغداد" بقيادة بريطانية، الأمر الذي أوصل البلد إلى "ثورة 58". ومن المفيد هنا أن نذكّر بأنّ الانقسام اللبناني حيال ما سبق كاد أن يتحوّل إلى كرة ثلج تتدحرج نحو حربٍ أهلية، لولا لم يتهيأ للإقليم قيادة عربية حكيمة متمثلة بالرئيس جمال عبد الناصر، وأخرى  لبنانية متمثّلة بالرئيس فؤاد شهاب. وبالرغم من أنّ الناصرية كانت التيّار الأقوى مستحوذةٌ  على الجزء الأكبر من الساحة العربية، إلّا أنّ فؤاد شهاب خطّط للبنان منزلةً بين منزلتين، موازناً  بين ثلاثة عناصر: مصر عبد الناصر، والهواجس السعودية، ومصالح وأولويات أميركا والغرب عموماً في ظروف الحرب الباردة آنذاك. هذه التجربة هي الأخرى غائبة عند من يجلس اليوم على كرسي فؤاد شهاب!

وخلاصة القول إنّ نجاح أي خيار سياسي يتوقّف على تقدير عواقبه، وعلى رأسها تكلفة تداعياته، مستذكرين القول الشهير، “إنّه الاقتصاد يا غبي"، شعار حملة  بيل كلينتون للرئاسة، والتي هزم  فيها الرئيس جورج بوش الأب الرجل المخضرم!. 

لسنا هنا لندعو لإدارة الظهر للمخاطر التي قد تتهدّد لبنان جنوباً بقدر ما هي دعوة لتحصين الداخل اقتصادياً، وبالتالي اجتماعياً وسياسياً، وإلّا ستغدو "الممانعة" رمحاً من قصبٍ في لبنان المفلس اقتصادياً، وبشعبٍ منهكٍ لاهثٍ وراء أبسط الحاجات الإنسانية من خبزٍ، ودواء، وتدفئة تقيه قرّ البرد. وتظل حالات الانتحار أفظع تجليات اليأس المستشري، والتي تشير الإحصاءات إلى أنّها بلغت بمعدل حالة كل 48 ساعة!!! فأية ممانعةٍ تُرتجى من بلدٍ كهذا. هنا نستعيد ما قاله كمال جنبلاط قبل سبعة عقود ونيّف، بنظرته الثاقبة عندما تحدّث عن الخطأ في "تقدير طاقة الشعب"، مشيراً إلى أن المبالغة في ذلك قد تؤدي إلى نتائج معاكسة، ويقول في هذا ما يدعو للتأمّل ملياً: "وحتى البطولة قد يأتي وقتٌ يأنفها الناس ويتحولون عنها كالأولاد الذين يحطّمون أصنام لعبهم..."!

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".