Advertise here

رجال الدّين... بين المأمول والإنكفاء

12 كانون الأول 2021 17:03:48

انبرى كثُر أخيراً مندّدين بتدخّل رجال دين، أو مرجعيات روحية، بقضايا وطنية عامة تشكّل مادة للتنافر والاستفزاز السياسي، وتثير الغبار المذهبي، انطلاقاً من مواقف يتّخذها زعماء وأحزاب الطوائف، وتنسحب على القاعدة، مروراً بخطب العلماء وعظات رجال الدّين. 

 فدخول سماحة شيخ عقل طائفة الموّحدين الدروز، الشيخ الدكتور سامي أبي المنى، على خط خفض منسوب التوتر الخطابي - إثر الكتاب الذي وجّهه المفتي الجعفري الممتاز، الشيخ أحمد قبلان، إلى البطريرك الماروني، الكاردينال بشارة الراعي، الداعي إلى اعتماد الحياد الإيجابي للبنان كحلٍ للأزمات الحاصلة، بينما دعا قبلان في كتابه إلى الانحياز، رافضاً فكرة الحياد، ومعبّراً عن خشية أن يتحوّل الخلاف على العدو والصديق إلى "اختلاف على لبنان" - لهو مؤشر واضح على مآل الواقع الديني- السياسي المنطلق أساساً من مخاطبة ضمير المسؤولين، وحضّهم على القيام بواجبهم الوطني وسط حالات الانهيار التي تشهدها البلاد، وذلك مقابل الدعوات للمرجعيات الدينية لعقد قمة روحية إسلامية - مسيحية من شأنها إضفاء أجواء إيجابية ومناخات تلامس آمال اللبنانيين المتألمين من حدة وطأة الأزمات الاقتصادية، والمعيشية، والصحية، والمالية، وغيرها، وهو ما عبّر عنه الشيخ أبي المنى بغضّ النظر عن مكان القمة الذي لا شك يتأثر بمواقف المتنافرين لتحقيق مكاسب طائفة بعينها في ما لو تم الاتفاق على عقدها.

على الخط نفسه، وخلال اللقاء الأخير لمنتدى التنمية والثقافة والحوار في فندق الكومودور - الحمرا، أصدرت مجموعة "ال 24 الشبابية " توصيات دعت رجال الدّين إلى المشاركة في الحراك من أجل الإصلاح، والقادة الروحيين للمساهمة في تبديد الهواجس المتأتية من جرّاء التعصّب الديني، ليكونوا بحق عنواناً للانفتاح والتطور، وصنّاع سلام حقيقيين، إلى جانب رفع المستوى التعليمي والثقافي للمتديّنين، وبثّ روح المسامحة والغفران انطلاقاً من قيَم وفضائل الرسُل السماوية، لخلق مساحات تلاقٍ تعكس اعتدالاً في المواقف واستقلالاً عن الطبقات والمنظومات السياسية الفاسدة.

 من هنا أضحت مشاركة علماء المسلمين ورجال الدين في إدارة الشؤون السياسية مثار جدل في الشارع المنقسم بين مساهمٍ في زيادة الشرخ، كون البعض منهم يعطي تأييداً لجهات سياسية ترمي، مع قرب الاستحقاق الانتخابي، إلى شدّ العصب، واللعب على الوتر الطائفي، وآخر يتطلع إلى وجود رجال الدين كعامل ثقة، وكسرٍ للجليد الطائفي القابض على مفاصل التواصل المطلوب، بما يملك هؤلاء من اعتدال في المواقف، وقبولاً عند الشرائح الاجتماعية والسياسية، في ظل ما يعيشه لبنان والعالم اليوم من تحديّات، بينها إسقاط منظومات القيَم وإطلاق الأنانية، ما يعني انتشار ثقافة الشر والمنظومات المتوحشة، أي طغيان السياسات الطائفية، وتصارعها على الدولة، وتراجعاً للمواطَنة والقيَم المشتركة، الأمر الذي ينذر بالعنف ولا يسمح بمعايير تلاقي المواطنة في مواجهة العصبيات. وهو ما حذّر منه الإمام الراحل، محمد مهدي شمس الدين، باكراً، داعياً إلى مراجعة جذرية كي لا تكون ثمة غلبة طائفة على أخرى. 
 
  بين هذا وذاك، ثمة من يفضّل ترشيد الدّين لجعله يخدم المجتمع والدولة بالقول إنّ، "أبلغ الصلاة ليس برفع الصوت، وإنّما بالوقوف إلى جانب فقراء الناس، وتنمية روح المواطنة على أسس إيمانية في ظل واقع الانتماء إلى الطائفة والمذهب، وأخيراً الوطن". 

 يقول الفيلسوف الألماني، إيمانوئيل كانط: "إني أسمع من كل مكان صوتاً ينادي لا تفكّر. رجل الدّين يقول، لا تفكّر بل آمن. ورجل الاقتصاد يقول، لا تفكّر بل ادفع. ورجل السياسة يقول، لا تفكّر بل نفّذ، ولكن فكّر بنفسك، وقِف على قدميك. إني لا أعلّمك فلسفة الفلاسفة، ولكني أعلّمك كيف تتفلسف".
 
*عضو المركز الحبري المريمي للحوار الإسلامي المسيحي

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".