صندوق النقد "شمّاعة" السلطة لـ"تعليق" الآمال بالإصلاحات

11 كانون الأول 2021 07:59:42

"حَبَلُ" السلطة السياسيّة بفشل الإنعقاد، وتطيير "الكابيتال كونترول"، وإقرار البطاقة التمويلية من دون تمويل، والإخفاق بالإصلاحات والتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدوليّ... إستدعت "ولادة قيصريّة" من مصرف لبنان. فتدخّل "الحاكم" على وجه السرعة، وخرج حاملاً "طفلَ" رفع قيمة السحوبات النقديّة من الحسابات بالعملات الأجنبيّة. مولود "مشوّه"، يُفرح المواطنين لأيّام قليلة و"تختال" فيه السلطتان السياسيّة والنقديّة طويلاً، لضمانه التذويب السريع للودائع.

في 29 أيلول الفائت ومع انتهاء فترة التعميم 151 الصادر في 21 نيسان 2021، رفض حاكم مصرف لبنان رياض سلامة رفع سقف السحوبات إلى أكثر من 3900 ليرة. مبرراً ذلك بان "المعطيات المالية والنقدية المتوافرة، لا تسمح بتعديل سعر صرف الدولار"، وبأن أي تغيير "ستكون له تداعيات كبيرة على الكتلة النقدية وسعر صرف الدولار، في غياب خطة اقتصادية ومالية شاملة، والتي نأمل أن يتم وضعها في أقرب وقت ممكن". وعليه مدد العمل بالتعميم 151 لغاية 31 كانون الثاني، "لاعطاء الوقت للحكومة لتقديم مشروعها الإصلاحي" بحسب بيانه. إلا أن الحكومة من وقتها، أي منذ شهرين وعشرة أيام، ليس فقط لم تقدم أي خطة، بل لم تجتمع في الأساس. ودخلت هي وكل مشاريعها في موت سريري. فما الذي تغير ليبادر مصرف لبنان إلى رفع سقف السحوبات قبل أوانه؟

تذويب الودائع

فعلياً لم يتغير شيء. "هذه هي خطة السلطتين السياسية والنقدية منذ بداية الأزمة"، يقول المحامي والباحث الاقتصادي أديب طعمة، فـ"هذه السلطة مدركة جيداً أنها أعجز من أن تنفّذ الإصلاحات المطلوبة منها من صندوق النقد الدولي للحصول على المساعدات والخروج من الأزمة. ولذا اختارت من أول الطريق تذويب ودائع الناس في المصارف لكونها تمثل ديناً على الدولة. وللوصول إلى الهدف المنشود تنتهج طريقين منحرفين باتجاه بعضهما البعض. الأول يتمثل بتخفيض قيمة الليرة اللبنانية من خلال طباعة النقود وتسديد الودائع بالعملة الأجنبية بالليرة اللبنانية، والثاني يتمثل بتفلّت حبل الاسعار وما يرافقه من تضخم هائل (سجّل التضخم من كانون الاول 2018 الى تشرين الاول 2021 ارتفاعاً بنسبة 562%. فيما ارتفعت أسعار الغذاء عن الفترة عينها بنسبة 2067% وذلك بحسب الاحصاء المركزي). وهذان الخطان سيلتقيان في آخر المطاف برأي طعمة بعد أن تكون الدولة قد "صفّرت" دينها والمصارف احتفظت بالدولارات النقدية. فالودائع الصغيرة ستتبخر، والكبيرة منها تتحول إلى أسهم في المصارف أو المؤسسات المشتركة المنوي انشاؤها. وبمجرد إعطاء لبنان الشرعية الدولية، وتحديداً من الدول الخليجية، تعيد المصارف هذه الاموال وتشتري البلد "على النظيف". وبحسب طعمة: "مخطئ كل من يظن أن هذه الحكومة مهتمة بمساعدة صندوق النقد الدولي، أو غيره من الأطراف الدولية التي تشترط الاصلاحات للمساعدة. ففي ظل وجود "حزب الله"، وطبقة سياسية تتعارض مصالحها مع الاصلاحات، يكون الحل الوحيد للخروج من الأزمة هو بتحميل عبئها للمواطنين من خلال انهيار القدرة الشرائية والتضخم. وهذا ما يحققه قرار رفع سقف السحوبات المتخذ قبل الاعياد ونهاية العام الحالي. لينفتح العام 2022على مرحلة جديدة من التضخم وارتفاع الاسعار".

لا قعر لإنهيار الليرة

السقف الذي سيبلغه سعر صرف الدولار في القريب العاجل سيكون "44 ألف ليرة"، بحسب الخبير الاقتصادي فادي جواد، "ذلك أن سعر 3900 ليرة كان يشكل نحو 18 في المئة من سعر السوق". وبرأي جواد فإن "المشكلة هي بتعامل المسؤولين مع أي قضية بالقطعة من دون وجود رؤية اقتصادية متكاملة. فهذا القرار سيحتم في المقابل رفع أجور الموظفين بنسبة 50 في المئة كما يُطَالب. الأمر الذي سيؤدي إلى تدمير الرواتب، نظراً لما سينتج عن هذه العملية من ضخ للسيولة بحجم يقدر بـ10 آلاف مليار ليرة. وعليه ستزيد نسب التضخم بشكل هائل بسبب اعتماد الاقتصاد بنحو 70 في المئة أو حتى اكثر في استهلاكه على المواد الاولية والبضائع المستوردة.

إجراءات تضخمية

من الواضح أن الاقتصاد دخل في دوامة من التضخم المفرط لا خروج منها. فلكي يسحب مصرف لبنان السيولة المترتبة عن رفع سقف السحوبات إلى 8000 ليرة، وما سيتبعها من زيادات على الرواتب والأجور لنحو 420 ألف موظف بنسبة لا تقل عن 50 في المئة، ورفع بدل النقل إلى 64 ألف ليرة، بكلفة إجمالية قد تصل إلى حوالى 22 ألف مليار ليرة، سيعمد إلى إجراءات تضخمية. ومنها ما بدأه هذا الأسبوع برفع النسبة التي يتوجب على مستوردي المحروقات تأمينها بالدولار النقدي من 10 في المئة إلى 15 في المئة، واحتساب النسبة المتبقية أي 85 في المئة على أساس سعر الدولار 20400 ليرة". الأمر الذي رفع أسعار ثمن البنزين بقيمة تراوحت بين 5400 ليرة للـ 95 أوكتان و5800 ليرة للـ 98 أوكتان، ليصبح سعر صفيحة البنزين 308 آلاف و318 ألف ليرة على التوالي. فيما ارتفع سعر المازوت بقيمة 20900 ليرة ليصبح سعر الصفيحة 321 ألفاً و100 ليرة. فيما وصل سعر قارورة الغاز إلى 278 ألفاً و800 ليرة. وبرأي جواد فان "كل ما يحدث مخطط له، لتجفيف أصول المودعين التي كانت حوالى 170 ملياراً لتصل الى رقم قريب من المبلغ المتوفر في البنك المركزي". ويضيف أن "هذه الطريقة ستمكنهم من نفض أيديهم بما اقترفت من خطايا بحق مقدرات هذا الشعب داخل وخارج الوطن. وللاسف ان هذه العملية هي اسلوب "بونزي" بشكل معاكس على الطريقة اللبنانية!

الخطوة الثانية التي سترفع التضخم إلى معدلات قياسية جديدة سيبدأ تطبيقها أوائل العام القادم وتتمثل في احتساب سعر الدولار الجمركي ومختلف الخدمات التي ما زالت تتقاضاها الدولة على سعر 1500 ليرة على سعر منصة صيرفة. وذلك باستثناء القروض المصرفية. الأمر الذي سيخلق موجة هائلة من التضخم وانهيار قيمة الليرة حتى تصبح معه 8000 ليرة لا تشكل أكثر من 10 إلى 15 في المئة من سعر السوق على أحسن تقدير.