Advertise here

معلّمي ذكرى إشراق وخلود

05 كانون الأول 2021 20:08:51

لبنان اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يبكي كماله. فلماذا رحلتَ يا كماله؟ وما لبنان اليوم بدون كماله؟ رحمكَ اللَه معلّمي... رحمَ اللّه روحاً غابت معها الجنة. رحمَ الله روحاً سقت لبنان وتربته روح الحب والخير. رحمكَ اللّه معلّمي.

6 كانون الأول 1917، ولدَ طفلٌ داخل قصر، وجهه كتمام البدر، في ليلةٍ كان هو قمرها ونورها. جاء معلّمي من أجل الشرفاء، الأحرار، العمال، والفلاحين... جاء ليبني حزباً خلّدته السنون، فكان المعولَ وكانت الريشة. وبنى جسراً يعبر من خلاله الأحرار من كهوف الشرق إلى الشرق الجديد. أيّدَ معلّمي السلم ورفض الحرب، وأصبح سيّد هذا العصر، ولكن الحكاية لم تنتهِ هنا.
 
16 آذار... نعم، منذ سنواتٍ استفاق لبنان على دمعة. منذ سنوات فقدنا روحاً علّمتنا معنى الحياة. مات التواضع... مات الحب...مات الخير، ولكن عاش لبنان باسم كماله. منذ سنوات معلّمي قصدكَ ملك الرقاد. استسلم جسدك، ولكن صدى صوتك على منابر الحرية ما زال في نفوس الأحرار وكل لبنانيٍ شريف.
 
معلّمي، معلّم الأجيال، أوجّه رسالتي إلى روحك الطاهرة لأقول، اشتقنا لك، لا بل اشتقنا إلى لبنان كمال... إلى لبنان في عهدك... إلى قلبك الأبيض. رحلتَ، نعم، ولكنّك باقٍ في ضمير الأحرار والأوفياء لنهجكَ وحزبك، وفي ذاكرة الإنسان والتاريخ.
 
اليوم نقف مكتوفِي الأيدي. نقف وقفةَ خسارة. لم نخسرك نحن فقط، بل خسركَ كل لبنان. يا ليتكَ لم تمت بتلك الطريقة. يا ليتك انتظرتَ الموت كباقي الناس... لا، بل يا ليتك لم تترك البشرية،  ويا ليتك معنا!
 
في السادس عشر من آذار سنة 1977، حاول بعض عشّاق الظلام أن يمزّقوا ثوب الخير. يومها توقّف الزمان برهة، لا بل يومها مات الزمان. فتحتْ لك الجنة باباً من أبوابها، لأنّ اللّه يعلم أنّ مكانك الصحيح هو هناك في مكانٍ يقدّر عظمتك، وليس في بلدٍ مظلم.

 اعتقد عشاق الشر أنّ هذه هي النهاية. أعلنوا انتصارهم، ولكن يا لجمال القدر! حصل العكس! كانت فقط البداية... بدايةَ فصلٍ من فصول حياتنا طوته 44 سنة من النضال والثورة في ساحات لبنان. 
 
يا ليتني أستطيع في رسالتي هذه أن أطمئنك عن لبنانك! لا، لبنان الذي أحببتَه ليس بخير. 44 عاماً معلّمي كانت كفيلةً لتمحية الخير الذي وزّعته وتعصف على لبنان شتاء الحروب والطائفية.

من أنتَ معلّمي؟ أنتَ ذاك الفيلسوف العظيم الذي حقّق للبشرية انتصارات هم يهابونها. أنتَ ذاك العقل الذي كان يؤمن بالانفتاح، والأديان، واللّه الواحد، لكن مشكلتك كانت أكبر من كل هذه الأشياء التي ناضلتَ من أجلها. 

مشكلتك كانت أنّك ولدتَ في عالمٍ لا يتناسب ولا يتّسع لعقلك العظيم. عالم لبس ثوب الكره وأبى أن يقلعه، فأصبح الحقد عنوانه، والقتل شخصيّته الأساسية، والحروب نهايته.
 
عذراً معلمي، لا بل عذراً لبنان... معلّمي، يا مانح الأجيال العلم، يا قلماً لا يتوقف و لا ينتهي حبره، سامِح اللبنانيّين.

 سامِح شعباً ما زال حتى اللحظة الآنيّة يقف حائراً لا يعرف ماضيه من حاضره من مستقبله. سامِح شعباً أصبح عبداً للمتسلطين، وما زال حتى الآن ينتظر نهاية فيلم "الساسة". ويا لها من نهاية!! نهاية يعلمها الجميع أنها موجعة، وما زلنا نتبع بعضهم على الخطأ ونشعل عقلنا بخوراً لهم وننادي بأسمائهم: "لبّيك". 
 
قف يا لبنان اليوم، وتأسّفوا يا لبنانيّين على كمالكم، ولكن انتفضوا يا رفاقي. لا تقفوا مكتوفي الأيدي. لا تحاربوا لبنان، بل حاربوا العالم من أجل لبنان.

معلّمي، في ختام رسالتي لك، أودّ أن أقول، يا صاحب هذا العقل الكبير والقلب الأبيض، أنتَ مثالي الأعلى. 

أعاهدك أنّ قلمك الذي لم يتوقف عن دق دقات قلب الزمن سيصبح قلم كل إنسانٍ شريف. وصوتك الذي لم تتوقف المنابر عن ترديد صداه سوف يصبح صوتي وصوت رفاقي في ساحات النضال والحرية، وسوف تبقى لنا سيّد الأسياد يا كاتباً، وفيلسوفاً من الألف ووطناً إلى الياء.

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".