كما أنتم يولّى عليكم

04 كانون الأول 2021 21:20:30

يتزايد الحديث في هذه الأيام عن الفساد الدائر في لبنان، وذلك قبيل الانتخابات النيابية. ويسود الحديث عن فساد الطبقة السياسية، أو فساد بعض رجال السياسة، وضرورة إجراء تغيير جذري في الانتخابات النيابية ومحاسبة كل من أوصل البلاد إلى المأزق الذي نعيشه. إنّ هذا الحديث ينطبق تماماً على المجتمعات المتطورة والمتقدمة، على الدول التي تحترم قوانينها وأنظمتها، حيث الشعوب تحترم قوانين بلادها وتقوم بواجباتها تجاه دولتها، وتحصل في المقابل على حقوقها المشروعة.

ماذا عن لبنان؟ ماذا عن النظام السائد في لبنان؟ ماذا عن الشعب اللبناني ودوره؟ يتغنّون بتنوّعه وفي المقابل يكرّسون أسوأ نظامٍ يفرّق بين المواطنين. يشيدون بإنجازات أبنائه في دول الاغتراب، ويعمدون إلى ضرب الكفاءة والنزاهة في الوطن. يجاهرون بالديمقراطية والحوار ويمارسون شتى أنواع الضغوط والتدخل في تحريف الحقائق. إنّها سلسلة متكاملة تكتسب وجودها من نظامٍ بحد ذاته فاسد، فكيف له أن تنبثق عنه دولة نزيهة ومؤسّسات صالحة؟ فالفساد الآتي من هكذا نظام ينتشر كالأخطبوط في كافة المؤسّسات، ويدير أمورها جزء من الشعب الفاسد. فالمنظومة الفاسدة تسير من القمة إلى القاعدة، وكذلك من القاعدة إلى القمة. نتحدّث عن جزءٍ من الشعب اللبناني من بيئات ومناطق مختلفة، ودخل في منظومة الفساد.

 لسنا هنا في مجال توزيع صك براءة لبعض رجال السياسة في لبنان، ولكن أمام كثرة حديث المواطنين عن فساد هؤلاء، سؤالٌ لا بدّ من طرحه: ماذا عن فساد بعض المواطنين الذين هبطت عليهم الثروات من مكانٍ ما؟ والأغرب في ذلك أنّ هؤلاء أنفسهم يهاجمون الطبقة السياسية في لبنان، ويطالبون بالتغيير وهم أنفسهم استغلوا علاقاتهم بتلك الطبقة، وحصلوا على تسهيلات من هنا وخدمات من هناك، وأصبحوا من الأثرياء الجدد. كيف يُعقل لمواطنين لديهم دخل محدود أن يبنوا قصوراً وفيلات، ويمتلكون أراضٍ شاسعة؟ هل هذا هو فساد سياسيين أم فساد شعب، أو جزءٌ من شعب كي لا نشمل الجميع؟

المشكلة في لبنان أنّه بلد صغير، ويستطيع المواطنون أن يتعرّفوا بشكلٍ واضح على أبناء وطنهم، والسيرة الذاتية تنتشر كسرعة البرق في بلدٍ صغيرٍ كلبنان، لذلك على بعض الذين يثيرون الاشمئزاز بانتقاداتهم للتغطية على واقعهم، والذين يطالبون بالتغيير، على هؤلاء أن يحترموا عقول البشر ولا يستخفوا بها، لأنّ "الشمس ساطعة، والناس قاشعة"، كما يقول المثل الشعبي.

لذلك فإنّ التغيير المطلوب في لبنان يكمن في العقلية السائدة والمتحكّمة بالنظام اللبناني، هذا النظام البالي والعفن، والذي كرّس مفهوم التفرقة بين المواطنين. إنّه، بصريح العبارة، نظامٌ فاسدٌ بكل ما للكلمة من معنى. الفساد يكمن في ضرب مفهوم الديمقراطية من خلال ممارسة التوافق في الحكم. الفساد يكمن في شل عمل المؤسّستين التشريعية والتنفيذية أمام كل منعطف تحت ما يسمى بالميثاقية. الفساد يكمن في إجبار كل الأطراف بالمشاركة في الحكم بدل أن يكون هنالك موالاة ومعارضة. الفساد يكمن في تشريع التدخلات والواسطات لحل مشاكل المواطنين، والقفز فوق القانون، وتسوية المخالفات لكل من له يدٌ طائلة.

أما الفساد السياسي جرّاء هكذا نظام فحدّث ولا حرج. فالفساد السياسي هو عندما ترتبط جهة سياسية لها امتدادٌ شعبي بأجندات خارجية وتجرّ البلاد نحو فتنة من هنا وفتنة من هناك. الفساد السياسي هو في الانتماء للمراجع الخارجية الطائفية بدل الانتماء للوطن. الفساد السياسي في تحصيل الحقوق المذهبية، بدل حقوق المواطن مهما كان انتماءه.

إنّ الرضوخ لوجود هكذا نظام هو الفساد الكامل، وكل ما ينبثق عنه من الطبيعي أن يكون فاسداً. لذلك التغيير المطلوب هو في تغيير النظام، وليس فقط الطبقة السياسية، وعندما يصل الفساد إلى الشعب، عند ذلك يصحّ فيه القول، "كما أنتم يولّى عليكم".