تحافظ العلاقة الانتخابيّة الجنبلاطيّة - الحريريّة على اتّقادها التحالفيّ منذ أن دخل الرئيس الشهيد رفيق الحريري الحياة السياسية من بابها الواسع. خاض المكوّنان الاستحقاقات الانتخابية النيابية معاً انطلاقاً من دورة عام 1996. وكرّت سبحة التحالفات في دورات أعوام 2000، 2005، 2009، وصولاً إلى انتخابات 2018. ولا تزال أسماء النواب - السابقين أو الحاليين - الفائزين تحت مظلّة اللوائح المشتركة، حاضرة في أذهان من عاصروا تلك المراحل والحقبات: أكرم شهيّب، محمد الحجار، غازي العريضي، أنطوان أندراوس، علاء الدين ترّو... وما لبثت أن أضيئت شعلة تحالف استراتيجية بين الفريقين، مع نقطة مركزيّة متمثلة بمرحلة التمديد للرئيس إميل لحود عام 2004. تشاور رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يومذاك مع الرئيس رفيق الحريري في الخيارات الممكنة. وكانت نصيحة جنبلاط لحليفه بأن يصوّت "مع"، في مقابل معارضة كتلة التقدّمي للتمديد. وقال له: "أنت لا تستطيع أن تحملها، صوّت أنت مع وأنا أصوّت ضدّ". وعلى الرغم من تصويت كتلته "مع التمديد"، اتّخذ الرئيس الشهيد خيار التمثّل في "لائحة الشرف" التي صوّتت ضدّ التمديد، بعد انضمام النائبين أحمد فتفت وغطاس خوري إلى النواب المعارضين الذين بلغ عددهم 29 نائباً، كإشارة إلى روحيّة التحالف والموقف الاستراتيجي في مواجهة النظام الأمنيّ اللبنانيّ - السوريّ. ثمّ بنى جنبلاط جسر العلاقة الانتقالية إلى حقبة "ثورة الأرز"، يداً بيد مع الرئيس سعد الحريري بعد استشهاد والده.
لم يتبدّل المعطى الاستراتيجيّ الذي يبقى ثابتاً على صعيد الركائز الجامعة بين التقدمي و"المستقبل". وتتمثل العناوين المشتركة التي تشكّل عصارة التحالف الانتخابيّ العتيد، بحسب معطيات "النهار"، في التأكيد على البعد العربيّ - الوطنيّ للبنان، وفي التشديد على عنوان بناء لبنان الوطن لا الساحة. وفي السياسة الانتخابية، تعتبر الحاجة الانتخابية مشتركة للتحالف في ظلّ قانون انتخابيّ نسبيّ يحتاج جمع الحواصل الانتخابية من طريق عقد التفاهمات بين أكثر من مكوّن سياسيّ. ولا يغيب عن الصورة أنّ النفس المجتمعيّ - الشعبيّ يشجّع ويطلب التقارب المشترك المخيّم منذ زمن انتفاضة الاستقلال.
وإذا كان زعيم تيار "المستقبل" لا يزال متكتّماً على القرار النهائيّ الذي يُرتقب أن يتّخذه في موضوع المشاركة باستحقاق الانتخابات النيابية من عدمها، وفي وقت لم يحسم بوصلة توجّهه نحو الابتعاد المرحليّ عن السياسة أو الاستمرار في المضمار السياسيّ، فإنّ موقف جنبلاط و"انتظار عودة حليفه" أتى بمثابة رسم أحرف رسالة مهمّة المضمون إلى الحريري، مع تأكيد فحواها على ضرورة العودة والصمود السياسي. ويشير العارفون في أبعاد موقف رئيس التقدمي إلى أنّه أطلق نداءه اعتباراً من أنّ الحياة السياسية تشهد بطبيعتها صعوداً وتراجعاً، مع مرور حقبات شاهدة على حضور قويّ سياسياً، حيث كانت كلمة المحور المحسوب على قوى الرابع عشر من آذار تبدّل مسار البلاد، في مقابل مراحل أخرى عرفت تراجعاً في النفوذ والقدرة على التأثير بحكم المتغيّرات في ميزان القوى. ولا يلغي المنحى السياسي التصاعدي أو المتراجع استمرار الحيثيّة السياسية التي تبقى حاضرة وفاعلة، مع أهمية الانطلاق بها مجدّداً لاستكمال المشروع الوطني. ويتخوّف التقدمي من تبعات ابتعاد الحريري عن السياسة بما يفاقم حال الشرخ الداخلي ويكرّس الهيمنة الأوسع لمحور "الممانعة".
ويردّد عضو "اللقاء الديموقراطي" النائب أكرم شهيّب في مجالسه أنّ النداء الذي وجّهه رئيس التقدمي إلى رئيس تيار "المستقبل أتى نتيجة شعوره بحجم الاشمئزاز الذي قد يكون تملّك انطباعات حليفه جرّاء ما حصل في هذا العهد ومَن وراءَه، وسط منطق ساد على طريقة "جبران وسعد يدخلان معاً ويخرجان معاً"، فيما يشكّل الحريري قامة أعلى بكثير؛ إلى جانب عرقلة مشاريع مجلس الوزراء والتعطيل الدائم الذي حصل في مراحل سابقة، خصوصاً مع استقالة أعضاء من حكومة الحريري وهو على عتبة لقائه بالرئيس الأميركي باراك أوباما في الولايات المتحدة الأميركية وقتذاك.
إلى ذلك، تؤكّد المعلومات حسم الموضوع التحالفيّ انتخابيّاً بين التقدمي الاشتراكي و"القوات اللبنانية"، والذي يوضع في إطار التحالف الموضوعيّ المرتبط بالخطّ الاستراتيجي. ويُنتظر أن يشكّل تيار "المستقبل" ضلعاً أساسياً من التحالف الثلاثي بدوائر الجبل، في حال قرّر الحريري خوض الانتخابات النيابية المقبلة. وتترقّب القوى السياسية التفاصيل اللوجستية التقنية التي من المنتظر أن تستقرّ على أساسها الصورة الانتخابية بعد الإرباك القائم في ظلّ انتظار البتّ بالطعن المقدّم في تعديلات قانون الانتخاب واستشعار القوى السياديّة السعي لتطيير الانتخابات من القوى المحسوبة على المحور "الممانع". وتفيد المعطيات بأنّ التقدّمي باشر تحضيراته على صعيد التفاصيل اللوجستية والماكينة الانتخابيّة. وتستمرّ اللقاءات المناطقيّة التي يعقدها كوادره بوتيرة دائمة مع المواطنين من دون أن تتّخذ بعداً انتخابياًّ. وإذا كانت أسماء المرشحين للانتخابات على لوائح التقدّمي لم تتبلور حتّى اللحظة، فإنّ المعطيات تشير إلى اعتزام ترشيح النائبين بلال عبدالله وهادي أبو الحسن على نحو شبه مؤكّد. ويبقى اختيار أسماء المرشحين والإعلان عنهم مسألة سابقة لأوانها في انتظار اتّضاح المسار الذي سيسلكه الاستحقاق الانتخابيّ أولاً. وتشير الأجواء إلى أنّ ابتعاد "المستقبل" عن واجهة المعطيات الانتخابية، مردّه إلى شكوك تحيطه من اتجاه محور "الممانعة" إلى تعطيل الاستحقاق. وهذه المحاذير حاضرة أيضاً على صعيد مقاربة الحزب التقدّمي و"القوات اللبنانية"، باعتبار أنّ المنحى العام للترجيحات يصبّ في خانة متغيّرات مقبلة على صعيد الأكثرية النيابية.