Advertise here

الصراع مستمر في السودان بين المدنيين والعسكر رغم اتفاق حمدوك - البرهان

02 كانون الأول 2021 13:56:01

لم يهدأ الشارع السوداني منذ انقلاب المجلس العسكري على اتفاق التعاون وانتقال السلطة، بعد الثورة الشعبية التي أطاحت بحكم البشير. وعلى الرغم من الاتفاق الذي وقّعه حمدوك بعد إطلاق سراحه وعودته لممارسة مهامه كرئيس لمجلس الوزراء، فالسودانيون لا يثقون بممارسات ضباط الجيش السوداني، ويتهمّونهم بخطف ثورتهم  عندما رتّبوا الانقلاب على البشير واقتادوه إلى السجن، ويشكّكون بنوايا عبد الفتاح البرهان في تنفيذ المرحلة الانتقالية، لا سيّما بعد أن أعاد تشكيل المجلس السيادي منفرداً، حيث خرج السودانيون إلى الشوارع رافضين الاتّفاق الذي وقّعه رئيس الحكومة عبد الله حمدوك مع رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، مطالبين بالتحوّل الديمقراطي للنظام، وباستلام المدنيين للسلطة، وبعودة الجيش إلى ثكناته العسكرية. وردّد المتظاهرون في الخرطوم شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، وفي مدينة أم درمان شعارات "السلطة للشعب"، و"حكومة مدنية هو اختيار الشعب". وكانت الحشود الشعبية تجمعت في عدة مناطق في العاصمة السودانية الخرطوم بما فيها قرب القصر الجمهوري، ومدن سودانية أخرى، تلبيةً لدعواتٍ أطلقتها أحزاب سياسية، وتجمّعات نقابية، ومن بينها تجمّع المهنيّين ولجان المقاومة، مندّدين بالعنف الذين تعرّض له محتجون على انقلاب الشهر الماضي.

وكان قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، قد أعلن الشهر الماضي حلّ مجلس الوزراء، وأمرَ بوضع حمدوك قيد الإقامة الجبرية، لكنّه أعاده إلى منصبه تحت ضغطٍ دولي واحتجاجات شعبية، في اتفاق بينهما أبرم يوم 21 تشرين الثاني، حيث شهدت البلاد مقتل أكثر من 40 شخصاً طوال فترة احتجاز حمدوك ووزراء حكومته في الإقامة الجبرية.

وعلى الرغم من أنّ إعادة حمدوك إلى رئاسة الوزراء، فإنّ أحزاباً سياسية، ومنظمات المجتمع المدني، ترى أنّ الجيش لا ينبغي أن يكون له أي دور سياسي بعد أن أفقد الانقلاب مفاعيل الاتفاق الأول الذي يقضي بتقاسم السلطة بين الجيش والمدنيين حتى تنظيم الانتخابات الشعبية، والذي تمّ توقيعه عقب الإطاحة بحكم البشير، سيّما وأنّ الاتفاق الجديد ينص على تولي حمدوك رئاسة حكومة من التكنوقراط خلال الفترة الانتقالية التي تستمر حتى العام 2023.
وفيما يعتبر رئيس الوزراء العائد من الاحتجاز أنّه قبِل الاتفاق مع الجيش من أجل، "إيقاف إراقة دماء السودانيين"،  و"عدم إهدار مكتسبات العامين الماضيين"، مؤكّداً التزامه، "بالديمقراطية وحرية التعبير"، يرى عدد من المتابعين المقربين من قوى الحرية والتغيير أنّ الصراع على السلطة في السودان دخل مرحلة جديدة بعد قيام مجلس السيادة منفرداً بتعيين رئيسٍ جديد للقضاء من دون التشاور مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، على الرغم من قرار الأخير بوقف أي تعيينات جديدة غير عسكرية قبل التشاور معه، سيّما وأنّ عبد العزيز فتح الرحمن عابدين كان قد شغل المنصب ذاته في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير. وترى مصادر المتابعين أنّ البرهان يحاول الإمساك بالسلطة، وتعزيز قوّته داخل النظام مستعيناَ بعددٍ من الشخصيات والضباط الذين أحاطوا بالبشير، ما يستدعي وفق المصادر،  "تكثيف الجهد للحد من السلطات الواسعة لمجلس السيادة الجديد، والتي تتعدى مهامه التشريفية، بل تتعدى السلطة التنفيذية لمجلس الوزراء"، مشيراً إلى أنّ "المكوّن العسكري في المجلس يرغب بالسيطرة على الموقف طوال الفترة الانتقالية لتوجيهها في الوجهة التي يريدها، وتحديد مسار الانتخابات قبل حدوثها، لذلك أضاف بندَ الإشراف على عمل مجلس الوزراء، وفق ما جاء في الاتفاق الأخير".

وأشارت المصادر أنّ، "قيادات المعارضة الشعبية السودانية، بما فيها قوى الحرية والتغيير، تشعر بالقلق من مسارعة مجلس السيادة منفرداً في تشكيل المحكمة الدستورية وتعيين النائب العام خلال الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة مما سيهدّد استقلالية هذه الأجهزة وتحقيق العدالة".

ويخشى المدنيّون من أنّ مجلس السيادة الحالي يتمتع بسلطات، "تتعدى السلطة التي كانت لدى المجلس السابق، لأنّ الجيش هو الذي اختار أعضاءه المدنيين بمفرده بعد الانقلاب الأخير، فضلاً عن وجود 5 أعضاء عسكريين في المجلس". وأضافوا أنّ الوثيقة الدستورية التي تحكم المرحلة الانتقالية تشترط أن يختار المدنيّون من يمثلهم في مجلس السيادة، وطالبوا بضرورة إعادة تشكيل المكوّن المدني في المجلس، كأولوية قصوى".

وكان رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ورئيس الحكومة عبد الله حمدوك، اللذين قد تعهّدا العمل معا لاستكمال مسار التصحيح الديمقراطي بما يخدم مصلحة السودان العليا، وفقَ بنود اتفاقٍ من 14 نقطة أكّدت على، "أنّ الوثيقة الدستورية لعام 2019 هي المرجعية الأساسية لاستكمال الفترة الانتقالية مع مراعاة الوضع الخاص لشرق السودان والعمل على معالجته"، و"ضرورة تعديل الوثيقة الدستورية بالتوافق، و"الشراكة الانتقالية بين المدنيين والعسكريين هي الضامن والسبيل لأمن السودان واستقراره"، و"تشكيل حكومة مدنية مكوّنة من الكفاءات الوطنية المستقلة". و"مجلس السيادة يشرف على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية الواردة في المادة الثامنة من الوثيقة الدستورية، من دون تدخل مباشر في العمل التنفيذي". وكذلك "ضمان انتقال السلطة في موعدها المحدّد إلى حكومة مدنية منتخبة". و"التحقيق في الأحداث التي جرت في المظاهرات من إصابات ووفيات للمدنيين والعسكريين وتقديم الجناة للمحاكمة". و"بدء حوار واسع وشفاف بين كل القوى السياسية والمجتمعية وقوى الثورة يؤسّس لقيام المؤتمر الدستوري. و"إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين". و"العمل على بناء جيشٍ قومي موحّد".

في هذا السياق قال مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان، فولكر بيرتس، إنّ الاتّفاق الذي وقّعه البرهان وحمدوك غير مكتمل، ولكنّه "أنقذ البلاد من حرب أهلية... لكنّه أفضل من لا شيء. الاتّفاق يمكن أن يفضي في نهاية الأمر إلى جيشٍ واحد". وقال "طرفا الاتفاق شعرا بأهمية تقديم تنازلات مريرة لتجنيب البلاد المزيد من العنف والفوضى والعزلة الدولية"، وأضاف: "لم يكن مستبعداً في السودان سيناريو شبيه بما شهدناه في اليمن، أو ليبيا، أو سوريا". وقال بيرتس: "على الأقل هناك خطوة مهمة يمكن أن تؤدي في النهاية إلى استعادة النظام الدستوري".

من ناحية أخرى أوضحت مصادر إعلامية سودانية في اتصالٍ مع جريدة "الأنباء"، أنّ توقيع اتفاق بين المكوّنين العسكري والمدني كانت له ردود فعل كبيرة ضمن القوى السياسية في السودان، وكانت الظاهرة الأبرز ضمن هذه الردود ارتفاع الأصوات المعارضة للاتفاق الجديد بين الحركات والأحزاب التي وقّعت سابقاً اتفاق الانتقال السياسي الذي أدّى لنشوء مجلس السيادة والحكومة السابقين".
ورأت أنّ "الاتفاق يعبّر عن تراجع المكوّن العسكريّ عن خطّته لفرض حكم عسكري مطلق للسودان"، كما يمثّل "تنازل المكوّن المدني، عن حصته في المجلس السيادي الجديد، الذي ألّفه العسكر وحدهم، وكذلك قبول إشرافه على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية".
وأشارت إلى أنّ الاتفاق يمثّل نقطة توازنٍ جديدة حرجة بين المكوّنين العسكري والمدنيّ (وما بينهما من حركات عسكرية ـ سياسية)، فالمؤسّسة العسكرية "رأت أنّه لا بديل عن التحالف مع المدنيين لعبور المرحلة الانتقالية، وأنّ الانفراد بالسلطة يقود إلى المزيد من الأزمات التي تؤثّر مباشرةً على تماسك البلاد ووحدتها، لأن قرارات قائد الجيش الأخيرة وضعته في مواجهة مباشرة مع الشعب وقوى دولية تؤيد المسار الديمقراطي..."

كما أدرك حمدوك أنّه سيظل عاجزاً عن تحقيق نجاحات طالما أنّه يحتمي بحاضنة سياسية مشتّتة وليس لديها القدرة على بناء نظامٍ ديمقراطي، ووجد في التقارب مع الجيش وسيلة مهمة تساعده في الحفاظ على مكتسبات حقّقها خلال فترة ترؤس حكومتَين سابقتَين". وأشارت المصادر إلى أنّ المرحلة المقبلة تتطلب مواصلة الدفع باتّجاه إنجاح الفترة الانتقالية للمضي في طريق تحقيق الأمن والسلام والاستقرار المستدام".