يشكو لبنان من نظام ضريبي غير عادل يساوي بين المواطنين في الطبقات الغنيّة والفقيرة، وذلك بسبب الإعتماد على الضرائب غير المباشرة. كما يشكو من تراجع قيمة الإيرادات الضريبية، وغياب الرؤية لإستثمار هذا المردود في إطار مشاريع اقتصادية تدعم القطاعات الإنتاجية، ما يحول دون أن يكون النظام الضريبي ذو جدوى فعالة على صعيد الإنتاج، ويحتاج إلى عملية إصلاح، الأمر الذي سلّط الضوء عليه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط أكثر من مرّة كإجراء إصلاحي أساسي في ظل الأزمة التي يمرّ بها البلد. هذا، وتبنّت الوثيقة السياسية والاقتصادية للتقدمي في مؤتمره العام الـ48 هذا المطلب.
وقد اعتبر عضو مجلس القيادة في الحزب التقدمي الإشتراكي، محمد بصبوص، أنّ "السياسات الضريبية مجحفة بحق الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، لأنّها بجزئها الأكبر غير مباشرة. أما المباشرة منها فهي موزّعة بشكلٍ غير عادل. وهذه السياسات تعطي فكرة حول النموذج الاقتصادي القائم، وقد ساهمت بشكلٍ من الأشكال بالأزمة المالية".
وشدّد بصبوص في حديثٍ مع جريدة "الأنباء" الإلكترونية على وجوب إعادة صياغة النظام الضريبي ليصبح أكثر عدالةً، وذلك عبر تطبيق الضريبة الموحّدة التصاعدية، والضريبة على الثروة، كما والعقارات غير المستثمرة، بهدف تحفيز القطاعات على الإنتاج، وهي طروحات تقدّم بها "التقدمي"، لكن أحداً لم يلاقيه للضغط باتّجاه إقرارها".
إلّا أنّ تصحيح النظام الضريبي دون إقرار خطة اقتصادية واضحة يبقى إجراءً ناقصاً وغير فعالٍ. فالهدف الأساسي من تحصيل الضرائب يكمن في دعم القطاعات، وتفعيل عملية الإنتاج. وفي حال غابت الرؤية التي تحدّد هويّة القطاعات الواجب دعمها وكيفية حمايتها، فذلك يعني هدر الضرائب في غير محلّها، وعدم الاستفادة منها بالشكل الصائب.
في هذا السياق، أشارت مديرة البرامج في شبكة المنظّمات العربية غير الحكومية للتنمية، زهرة بزّي، إلى أهمية "الاتفاق على سياسة اقتصادية ذات خطط متكاملة وشاملة قبل إقرار نظام ضريبي معيّن، وتحديد القطاعات الواجب تحفيزها وحمايتها، كما وتوزيع الثروات والخسائر، على أن يتم حينها إقرار نظام ضريبي يخدم الرؤية الاقتصادية بعيداً عن العشوائية، فالعملية تنطلق من الكل وصولاً إلى الجزء، وليس العكس".
وفي حديثٍ لجريدة "الأنباء" الإلكترونية، ذكرت بزّي أدوار السياسات الضريبية الأربعة الأساسية والمطلوبة في لبنان الذي يعاني من أزمات اقتصادية وسياسية، وهي: تأمين إيرادات لخزينة الدولة، تشجيع قطاعات إنتاجية معيّنة من خلال إيرادات هذه الضرائب، إعادة توزيع الثروات، وتعزيز المواطنة في المجتمع.
وأضافت: "إنّ هذه المهام مطلوبة اليوم، إذ أنّ البلاد تعاني عجزاً مالياً وتحتاج إلى زيادة إيراداتها، كما أنّ الاقتصاد ريعي غير منتج، والقطاعات بحاجة لتنشيط، بالإضافة إلى أن لا مساواة في لبنان لجهة توزيع الثروات، ولا بدّ من إعادة توزيعها بين اللبنانيين، كما ومن الضروري تعزيز المواطنة لدى اللبنانيين وحسّ الانتماء لبلدهم في ظل فقدانهم الثقة".
ولفتت بزّي إلى أنّ، "صندوق النقد الدولي يطالب برفع قيمة إيرادات الدولة من خلال سياسات ضريبية، لكن حجم الإيرادات الضريبية متواضع في لبنان، إذ يشكّل ما نسبته 15% من الناتج المحلي الإجمالي GDP في العام 2018، في حين تشكّل هذه العائدات في دول أخرى نِسَباً مرتفعة، في المغرب مثلاً، وصلت إلى حدود الـ17%، أما في تونس، فقد ناهزت الـ32%".
أمّا وحول الأسباب التي تقف خلف ضعف هذه الإيرادات، فقد اعتبرت بزّي أنّ، "النظام الضريبي في لبنان غير عادل وهو أساساً قائم بشكل كبير على الضريبة غير المباشرة (عائدات الـTVA تشكّل 56% من مجمل العائدات الضريبية)، والتي لا تميّز بين المستهلكين الكبار والصغار، أو بين أصحاب الثروات، وأصحاب الدخل المحدود، كما ويفتقد للعديد من السياسات الضريبية، كالضريبة على الثروة وغيرها، بالإضافة إلى غياب القدرة على تحصيل الضرائب بشكلٍ كامل، وتفشّي الفساد أيضاً في هذا المجال".
أمّا ولتطوير النظام الضريبي في لبنان، ذكرت بزّي سياسات يُمكن إقرارها والعمل بها من أجل زيادة قيمة الإيرادات، "وهي تتلخص ببعض العناوين كالضريبة على الثروة، ورأس المال. الضريبة على الأملاك والعقارات غير المستثمرة. الضريبة التصاعدية. الضريبة على الميراث والودائع المصرفية الكبيرة الحجم. لكن الأخيرة تتطلب رفع السرية المصرفية، إضافةً إلى رفع قيمة ضرائب الشركات، خصوصاً في ظل المطالبات لرفع قيمة هذه الضريبة عالمياً".
وختمت بزّي حديثها لافتةً إلى أهمية، "تطوير هذا النظام، ولكن في سياق رؤية اقتصادية شاملة، من أجل توظيف الإيرادات الضريبية في سياق دعم القطاعات الإنتاجية وحمايتها، وذلك بهدف تعزيز الإنتاج والتخفيف من الاستيراد. ويمكن لهذا النظام أن يكون عاملاً مساعداً في معالجة أزمات لبنان الاقتصادية والمالية".