Advertise here

شيخ العقل الـ36.... وتحديّات الوجود والشباب

15 تشرين الثاني 2021 15:30:33 - آخر تحديث: 16 تشرين الثاني 2021 18:45:11

انطلقت ولاية سماحة الشيخ د. سامي أبي المنى في مشيخة العقل في 4 تشرين الثاني 2021، وهو شيخ العقل الـ 36 بعد تولي الأمير معضاد الفوارسي التنوخي إمارة البلاد، وبدء مشيخة العقل مع الأمير بدري الدين التنوخي في القرن الثالث عشر. لينطلق أبي المنى في ولايته التي تمتد على مدى 15 سنة، وضمنها العديد من الاستحقاقات الأساسية والمصيرية للطائفة، وأولها التحدي الوجودي. بيد أنّ بلداً كلبنان، الغني بالتنوّع وبوجود 18 طائفة إسلامية ومسيحية، تنظر فيه بعض الطوائف إلى نظيرتها من منطلق الأرقام لإشعارها أنّها الأقل عدداً، أو من موقع أدنى لجعلها هامشية، وبالتالي أقل تأثيراً في قرارات الإدارة السياسية.
  
فمثلاً، مَن يزور وزارة الدفاع يستقبله نصبٌ مرفوعٌ امتشق سيفه المرفوع، إنّما هو تمثال الأمير فخر الدين الثاني الكبير. وليس من قبيل التلقائية أن يتمّ اختيار هذا الرمز معبّراً عن حقيقة العقيدة الوطنية التي يتم بها صهر اللبنانيين في مدرسة التضحية. ولا يمكن لباحثٍ إلّا وأن يُدرج سيرة هذا الأمير الاستثنائي في الإطار الواقعي الذي يجب، وهو المرحلة التأسيسية لتجسّد الكيان. 

فالدروز كانوا على الدوام من المكوّنات الأساسية للكيان اللبناني بأرفع معاني الحس الوطني الجامع، والذي يرفع قيمة الولاء للوحدة الوطنية فوق كل نزوعٍ طائفي إلى التسلّط أو غيره.

 ولم يكن الدروز مرةً إلّا أقوياء بإيمانهم بالوطن والقوانين والأنظمة. وقتذاك حافظت الطائفة في مواقفها على المكوّنات الوطنية التي بانسجامها يكون لبنان، في الوقت الذي تذهب بعض النزوعات باتّجاه الأقلية، والأكثرية، والعددية، والتصنيفات والفروقات الاجتماعية، لإظهار الطوائف منقسمة على بعضها، وتنتظر بعضها على مفارق محطات الزمن وتقلباته. 

 وهنا يبرز التحدي الأول الذي يحتّم على الرئيس الروحي للطائفة تعزيز دورها الوجودي. وقد أعلن شيخ العقل سياسة اليد الممدودة للجميع لتحصين موقع مشيخة العقل، أولاً على المستوى الداخلي للطائفة من أجل الانطلاق إلى نهضة المؤسّسات، وجمع الشمل كي يتمكّن من مواجهة العواصف الطائفية على المستوى العام، وتالياً على المستوى العام، وقد لعبت الطائفة وقياداتها دوراً مفصلياً على المستوى الوطني في كثير من المحطات. وقد رسم أبي المنى طريقاً لأجل الدور والموقع والرسالة، واضعاً نفسه على مسافة واحدة من الجميع، سعياً للمساهمة بترسيخ قيم التلاقي والمحبة والاخوّة والتعايش والحوار بين الأديان والثقافات، ووصولا إلى التفاهمات الوطنية والعامة. وجُلّ أبناء الطائفة يأملون كثيراً من شيخ العقل الجديد بما يملك من قيَم التنوير والانفتاح إلى جانب قدراته الثقافية والفكرية والتربوية.
 
 والتحدي الثاني هو الشباب والأجيال الصاعدة التي تشكّل الهم الأساسي في التطلعات نحو المستقبل في ظل الطموحات والأحلام والهواجس القلقة والمشوشة، والممزوج أحياناً بين الاندفاع النبيل وراء المثل والطموح وبين المسالك السلبية، أو التجاسر على موجبات السلوك الأساسية، إذ أنّ الخوف يكمن في غلبة نزعات الرعونة والتمرد الطائش إلى مزالق تؤثّر على حياتهم المتوازنة، في ظل الركض وراء المظاهر، واتّخاذ البذخ وفك الالتزام بالقيم الفاضلة، والنظر إليها كأنها تقليدٌ جامد، ومدى تأثير الأهواء الحسّية البعيدة عن السلف الصالح. علماً أنّ تاريخ الموحّدين حافلٌ بروح المروءة وانسجام المواقف، لا سيّما حينما كانت تشتد عليهم خطوب الدهر. والحال اليوم أصعب بكثير إزاء تأثير "السوشال ميديا"، والثورة العلمية والثقافية التي نعيش، لا سيّما للمقيمين في بلاد الانتشار الذين يحتاجون دوماً إلى استلهام الحس التاريخي الراقي الذي تحلّى به أسلافهم. وهذا التحدي أمام شيخ العقل الحذر بما يؤدي إلى عدم تشتت الصفوف، ووجوب الظفر والفلاح في التمسّك المصيري بوحدة الجهود الآيلة إلى الخير العام على مستوى كل لبنان والعالم. 

 ويتطلع هؤلاء الشباب إلى الالتقاء الفكري والعلمي والثقافي مع مشيخة العقل بوجود الشيخ أبي المنى من أجل تحقيق الكثير من الطموحات وتبديد بعض الهواجس التي تشغل بال الأجيال الصاعدة على أكثر من صعيد.

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".