Advertise here

القضاء إلى مزيد من التقهقر والإنهزام!

13 تشرين الثاني 2021 10:23:28

من حق القضاة أو "النادي" الذي ينطق بإسمهم أن يرفع الصوت لرفع التدخل السياسي في شؤون السلطة التي ينتمون إليها، أو أن يضغط في إتجاه إسقاط المحاولات المستمرة لبعض رموز السلطة السياسيّة الاطباق على القضاء بكل مرافقه ومواقعه بهدف تفريغه من دوره القانوني والمرجعي في فض النزاعات وكشف الحقائق في الجرائم والتفجيرات والاغتيالات وسواها من القضايا التي تدخل في نطاق إختصاصه، ذلك أن مشكلة التدخل السياسي في القضاء مشكلة مزمنة وتاريخيّة وهي التي تحول دون قيام السلطة المستقلة التي يصبو إليها اللبنانيون في سعيهم لبناء الدولة المرتجاة.

ولكن ليس من حق القضاة أن يشيحوا بنظرهم عن الممارسات السيئة للبعض منهم وإنفلات البعض الآخر منهم تجاه السياسيين وطلبهم المستمر لرعايتهم وإحتضانهم طمعاً بنقل وإنتقال وبتشكيلات موقوفة منذ أشهر طويلة في القصر الجمهوري. وليس من حقهم أن يغضوا الطرف عن الانهيار الكبير الذي تشهده "العدليّة" بسبب عدم تحصين القضاة لأنفسهم من التدخلات السياسيّة.

حصانة القاضي تأتي من ذاته أولاً وأخيراً، وهيبة القاضي يبنيها القاضي نفسه من خلال استقلاليته وعدم قبوله للمراجعات والتدخلات من أي كان، فيكون القانون وضميره المهني والانساني هما ما يتكىء عليهما قبل إصدار أحكامه "بإسم الشعب اللبناني".

إن التلاشي التدريجي لصورة القضاء ومخاطر ذلك على بنية السلطات والدولة برمتها لا تتحمّل مسؤوليته حصراً القوى السياسيّة (ولو أن بعضها قصد قصر العدل لـ "قبع" أحد القضاة، ثم ما لبث أن عطّل الحكومة في أوج الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والمعيشيّة وفي مطلع إنطلاقتها عقب تأخير ومماطلة إستمرت زهاء 13 شهراً قبل تشكليها)؛ بل أيضاً السلطة القضائيّة بذاتها التي يقع على عاتقها تقويم إعوجاج بعض رموزها وتنقية صفوفها من خلال تفعيل هيئة التفتيش القضائي وقيامها بالمهام الملقاة على عاتقها.

إن التشوّه الذي يصيب بعض القضاء، يصيب كل القضاء. والفساد الذي يضرب بعض القضاء يضرب كل القضاء. وكذلك الارتهان والتعبيّة والمحسوبيّة والزبائنيّة والمحاباة. إنها الصفات النقيضة للقضاء، فكيف تكون منتشرة إلى هذه الحدود في قلب السلطة القضائيّة؟

إذا لم يقم القضاء المستقل، لن تقوم الدولة. إستقلاليّة القضاء هي المدخل الصحيح لإصلاح النظام ودفعه نحو التغيير والتجديد والحداثة.

لبنان في قلب العاصفة، والمشهد القضائي يفاقم الشعور باليأس من أن ثمّة قيامة ممكنة فعلاً للبلاد في المستقبل المنظور. في الوقت المستقطع، أرقام الهجرة إلى تزايد، ووجه لبنان يتغيّر إلى الأبد.