Advertise here

وماذا بعد؟

09 تشرين الثاني 2021 17:46:14 - آخر تحديث: 09 تشرين الثاني 2021 19:59:41

 

سؤالٌ، أم هاجسٌ، أم كابوسٌ، يتربّصُ على عقل الشعب اللبناني كل يوم، وكل ساعة، وكل دقيقة. فبعد أن تأقلم اللبناني مع كل المصاعب، والمشاكل، والهموم، لم يعد يبالي بما قد يحدث، لأنّه أصبح في قلب العاصفة. لم يعد يتملّكه الخوف من الذهاب بالبلاد إلى جهنم، لأنّه أصبح يعيش في جهنّم الدنيا، وليس الآخرة. 

ولكي يستمر اللبناني في الوقوف على رجليه في ظل الأزمة الخانقة، أصبح يجيد لعبة كرة القدم المعيشية. فالكرة هي بمثابة العبء الاقتصادي، وكل مواطن يقذف بالكرة إلى الآخر ليبعد ثقل الأزمة المعيشية عن كاهله. لهذا نرى أنّ الأسعار ترتفع من كل حدبٍ وصوب، إن كانت مستوردة أو محلية. وإن كانت تتطلب يداً عاملة أم لا. فكلّ شيء أصبح مرتبطاً بتسعيرة الدولار الأميركي.

نقول الدولار الأميركي لتذكير البعض ممن يغالون في تقدير مكانة لبنان في المواجهة، إنّ الاقتصاد اللبناني مرتبط بشكل مباشر بالعملة الأميركية، وغير قادر على تحمّل وزر عقوباتها، وخاصةً بعد أن استُكمل الحصار الاقتصادي بالموقف الخليجي، وكيف سيكون الوضع إذا اتُّخذ القرار النهائي بإقفال الأسواق الخليجية أمام المنتوجات اللبنانية، وكيف سيكون الوضع إذا تمّ التضييق على عمل اللبنانيين في دول الخليج، إن لم نقل ترحيلهم من دول الخليج.
       
 أمّا الحديث عن السيادة فأصبح مهزلة العصر. السيادة تكون عندما يعيش المواطن في بلده مصاناً من كافة المصاعب، محترماً، يمشي مرفوع الرأس بمنجزات دولته.
 السيادة تكون عندما يُحترم اللبناني في كافة دول العالم بمجرد إبراز جواز سفره، بدل أن يصنّف في خانة المشبوهين ويتم التدقيق بأغراضه. السيادة تكون عندما  يكون انتماء كل زعماء البلاد إلى وطنهم، لا  كما يجاهر بعضهم بارتباطاته الخارجية. السيادة تكون عندما تتوحّد النظرة بين السياسيين بتحديد الحدود الدولية للبنان من كافة الجهات، وصونها وحمايتها من أي عدوانٍ أو تهريب.

 السيادة هي أن يقوم المواطن باحترام دولته ليحصل على حقوقه، وأن تقوم الدولة بواجباتها تجاه المواطن لتكسب ثقته.
       
 أمّا الرهان على نتائج الانتخابات النيابية، إن جرت، فهو رهانٌ خاطىء، حيث أنّه في بلدٍ متنوعٍ كلبنان فإنّ نسبة التغيير فيه ضئيلة، لأنّ بعض الأحزاب والتنظيمات أصبحت تمثّل نسبة من مذاهبها، أو بيئتها، في ظل غياب قانون عصري ومتطور للأحزاب، وبالتالي جزء من التمثيل النيابي سيبقى كما هو الحال حالياً، ومَن سيدخل المجلس لن تكون له قدرة على التغيير بشكل جذري. نقول هذا الكلام ليس من باب اليأس، ولا من باب التشاؤم، ولكن من باب الواقعية للساحة اللبنانية. من هنا فإن الرهان يكمن في أن يعود البعض إلى رشده ويقتنع أنّ التسوية تكمن في القيام بخطوات إلى الأمام للتلاقي بين كافة الأطراف، والترفّع عن تحقيق أجندات خارجية على حساب لبنان، شعباً، ودولةً، ومؤسّسات.
        
لن يستقيم الوضع، ولن تتحسّن الأوضاع، إذا كانت العنجهية في التفكير والاستكبار في الممارسة هما سيّدا الموقف في التعاطي بالشأن العام. وعلى جميع القوى أن تدرك أنّ المواطنين سئموا من التعطيل المتمادي في البلاد، وهذا الأمر سيدفعهم إلى اللّا- مبالاة بواقع لبنان، وهذا سيؤدي حتماً إلى فتح البلاد على مصراعيها أمام كل من يرغب في إرسال رسائل إقليمية ودولية. الهجرة ستزداد، والنقمة الشعبية ستزداد، والانقسام والتشرذم سيزدادان، والتدهور الاقتصادي سيزداد، طالما هنالك من يفكّر في إلغاء الآخر والقضاء عليه.
 اقرأوا التاريخ جيّداً، واعتبروا.