Advertise here

الطواغيت والعبيد والدودك!

06 تشرين الثاني 2021 17:05:00 - آخر تحديث: 06 تشرين الثاني 2021 19:24:33

لو خيروني بين زوال الطغاة أو زوال العبيد لاخترت بلا تردد زوال العبيد، لأن العبيد يصنعون الطواغيت ولا يبنون الأوطان..
(ابن خلدون)

 يروى إنه في..نهايات الحكم العصملي أي (العثماني ) أبحرت سفينة شحن من إسطنبول إلى ميناء أم قصر في العراق، محملة بعدد كبير من الغنم والأحصنة، كمدد استراتيجي لبعض وحدات الجيش هناك، ولأن العلف شحيح وقليل، فقد كان يوزع عليهم مرة واحدة في اليوم فقط، بعدما يتلقى السوّاس أمراً من الضابط المسؤول بواسطة (دق الدودك)، أي عندما يصدح البوق، في وقت معين من الظهيرة..
ولأن التكرار يعلم الأحصنة أيضاً، لهذا كانت هذه الكائنات الجائعة عندما تسمع الدودك، تعي أن العلف بات قاب صدحتين من الوصول لمعالفها، فتتحمحم للأكل، وتهيء نفسها بفرح للطعام، فيغمرها الهدوء والثبات وعدم الهياج.!
وذات يوم نفذ العلف، وعندما أحست الأحصنة بالجوع بعدما فات موعد تقديم الوجبة لها هاجت واستنفرت وثارت بكل ما للجوع من سلطان وجنون، وكادت ان تخرق بحوافرها أرضية السفينة، فأسرع الضابط مذعوراً يشرح الحالة للقبطان، ويؤكد له أن السفينة ستغرق بأقدام الأحصنة الجائعة..
فكر القبطان قليلاً ثم أمر الضابط بدق الدودك، ومع أول صدحة من صدحاته، عاد الهدوء للأحصنة، وسكنت فرحاً بقرب وصول العلف، وعندما مضت ساعات أخرى ولم يصلها شيء عادت لهيجانها وضرب حوافرها بالأرض، فما كان من القبطان إلا أن أعطى الأمر بالصدح مرة أخرى، وهكذا استمرت مهزلة الدودك حتى وصلت السفينة مبتغاها.
هذه المهزلة التصبيرية أو التأجيلية عن طريق دق وصدح الدودك وابتكار الأزمات مع امتلاك الحلول مسبقاً، ينبغي ألا تنطلي على الشعوب التي بانت هياكلها العظمية بعد فقر وجوع.
فترويض الخنوع هذا إن مرَّ على الذين يمصون النوى من شهوة التمر، ويأكلون أصابعهم ولحوم سواعدهم من الجوع والفقر فاعلم أنهم وصلوا فعلاً لمرحلة ما بعدها حياة.

إنها الحقيقة ولو قاسية فسامحوني..
"من لا يتحدى الكذب فهو كاذب..
ومن لا يتحدى الظلم فهو ظالم..
ومن لا يتحدى الجهل فهو متعام..
ومن لا يتحدى القهر فهو قاهر.."

نعم.. انه واجب الخوف على انفسنا، لكن الم يتعلم اللبنانيين بعد من الغلط، الم يتعلموا ان بعض من في السلطة هم من سرقوا وخربوا البلد والعيش بطمأنينة، ولمصلحتهم الخاصة ادخلوهم في حروب ومناكفات..
وزرعوا في قلوبهم الحقد والضغينة للآخر. 

وحقاً كإنه شعب لا يتعلم من الأغلاط ويهوى الجراح، والاحباط والتوسل والرضوخ، ويرضى بالاستعباد والانحناء، يسكتوه يوماً بتشكيل حكومة وببرنامج انمائي، وبوعود بإعادة الكهرباء وبمساعدات البنك الدولي، وبهبات النفط من هنا ومن هناك، وبالتفاوض لإستخراج النفط من ثرواته، وبإنتفاضة ثورة تقوقعت أسيرة المال والأحلام والأنانية، وخطاب سياسي وتحريضي طائفي، وتشغيله بلعبة الدولار، وببرامج انتخابية بمشاريع فضفاضة، واهية شعبوية لا شعبية.

فنحن في قلب الظلمة والظلم والإستعباد.
ومن السفينة التي تغرق أكثر وأكثر نقول:
آن للكذب أن لا ينطلي!
ولقد طال الليلُ فمتى سينجلي؟
أما آن للأمزجة أن تتغير..؟!
وللأفكار أن تتحرر!
كفى كذب على شعب ووطن يستحقان الحياة..
اللهم..نستودعك لبنان وأهله واحباءه..

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".