Advertise here

ولو بقي منهم صوتٌ واحدٌ يقول للقاتل إني أراك

06 تشرين الثاني 2021 07:41:51

قد تكون واحدة من أصعب اللحظات تلك التي تقابل فيها أم شهيد أو زوجة شهيد أو أخ شهيد. تختار كلماتك بعناية، تخاف أن تخدش الجرح أكثر، وأي جرح أكبر؟

يتحوّل أهالي الشهداء الى أيقونة غير قابلة للمس، وسط هالة الدم وهيبة الموقف وحجم الخسارة والتضحية. ففي وجوههم تعود صور مَن رحلوا لتقض مضاجع قاتليهم كلما وقفوا أمام كاميرا تنقل وجعهم مباشرة على الهواء، وكلّما سرقت عدسة مصوّر دمعةً من عيونهم.

قوة أهالي الشهداء أنهم يبقون المحكمة التي تؤرق نوم القتلة أينما كانوا ومهما لبسوا من أقنعة للتخفي.

هكذا هم أهالي ضحايا إنفجار مرفأ بيروت، الصوت الذي يربك القاتل ويبقي وجوه مَن قُتلوا ظلماً في ذلك اليوم المشؤوم تلاحقه حتى آخر غمضة جفن هرباً من الحقيقة والعدالة. 

إلا أن ذكرى الجريمة في الرابع من هذا الشهر كانت أكثر ألماً من لحظة الرابع من آب نفسها، وقد انقسم أهالي الضحايا في مشهد موجع يكاد يلامس وجع بيروت المدمّرة. فعلى ماذا انقسموا؟ وأي سلطة أقوى من دم أولادهم؟ وأي حصانة أقوى من حصانة الدم؟  

محزن جداً أن تنكسر القلوب الثكلى، وأن تتشتت أصوات القضية الواحدة وأن تضيع فرصة فضح كل ما حصل. رغم أن الناس في بيوتهم يعرفون ما وراء الكاميرا وما وراء العيون، ويعرفون حقيقة ما قيل وما لا يقال. وسيبقون الأجمل، حتى لو بقي منهم صوتٌ واحدٌ يقول للقاتل إني أراك. 

قد يستبدلون جميع القضاة ويكفّون يد كل المحاكم ويمزّقون الأدلّة كلّها، لكنهم ملاحَقون ومطارَدون بدموع الأمهات حتى تنفذ عدالة السماء.

هكذا هي العدالة في بلاد اللامنطق، القتلة أحرار، الشهود مكتومي القيد، المدعي والمدعى عليه متساويان، والحكم دائما بالضمير المستتر... صدق جبران خليل جبران عندما قال: "عدل الناس كالثلج إن رأته الشمس ذاب".
كنا نظن أن القلوب المقهورة لا تقوى عليها سلطة ولا سطوة، وإذ بمرض هذا الوطن يصيب حتى هؤلاء... لكنهم سيبقون الأجمل.