يغيب التخطيط البنيوي عن قطاع البترول والغاز كما يغيب عن مختلف الملفات المهمة في لبنان. العشوائية هي سمة التعاطي الرسمي من قِبل مؤسّسات الدولة المعنيّة في هذا الموضوع. ويكاد أسلوب مقاربة هذا الملف غير المسؤول يطيح بإمكانية استفادة لبنان من ثروته الغازية، وما هو ملف ترسيم الحدود جنوباً إلّا خير مثال.
ويشكّل ملف النفط والغاز محور اهتمام أساسي لدى الحزب التقدمي الاشتراكي الذي خصّه بعدة بنود تنظيمية في وثيقته السياسية والاقتصادية الصادرة عن المؤتمر العام الـ48، من أجل تنظيم هذا القطاع، وحسن الاستفادة من ثروة لبنان النفطية، محذراً من التفريط بالثروة النفطية.
في هذا السياق، لا بد من تحّرك الجهات المعنيّة لوضع مخطّط بنيوي لقطاع النفط والغاز، وذلك عبر القيام بأربع خطوات أساسية: تفعيل دور هيئة إدارة قطاع البترول، تأمين اللوجستيات اللّازمة، إيجاد الأسواق الخارجية لتصريف الإنتاج، وإقرار اقتراح الصندوق السيادي للتخطيط حول كيفية صرف المردود المالي.
من جهتها، أشارت المحامية المتخصّصة في قوانين النفط والغاز، وعضو مجلس القيادة في الحزب التقدمي الاشتراكي، لمى حريز، إلى أنّ "قطاع النفط والغاز بحاجةٍ إلى حوكمة تشمل الشق الاقتصادي كما واللوجستي والقانوني – الإداري من أجل وضع مخطّط بنيوي للقطاع".
على الصعيد القانوني، لفتت حريز في حديثٍ لجريدة "الأنباء" الإلكترونية، إلى أنّ "دور هيئة إدارة قطاع البترول يغيب، وذلك بسبب عدم التمديد لأعضاء الهيئة، وعدم تعيين أعضاء جُدد، المطلوب لاستباب الوضع القانوني إشغال الفراغ الحاصل. كما أن صلاحيات الهيئة مرتبطة بسلطة وزير الطاقة، فباتت وكأنها إدارة تابعة لوزارة الطاقة ما أفقدها استقلاليتها. وقد تقدّمت كتلة اللقاء الديمقراطي باقتراح قانون لتفعيل دور الهيئة لجهة الصلاحيات وفك ارتباطها بالوزير. وضمن الاقتراح تمّ منح الهيئة شخصيةً معنويةً".
وفي موضوع الحوكمة، ذكرت حريز أن "هذا القطاع يردّ على الدولة منافع مالية، وبالتالي يجب إقرار الصندوق السيادي لتقرير مخطّط اقتصادي يُمكن الاستفادة من الأموال وفقه. فالصندوق السيادي يُحدّد كيفية استثمار المردود المالي لإنتاج الغاز، داخلياً وخارجياً، إذ يمكن استثمار هذه المبالغ في الصناعات، كما وفي الإصلاحات المطلوبة من الدولة. هذا التخطيط يتطلب خلق ظروف مؤاتية ودراسات ووقت، لذلك يجب أن يبدأ قبل البدء بعملية استخراج الغاز".
بالنسبة للّوجستيات، لفتت حريز إلى أنّ، "القطاع يحتاج إلى تجهيزات ومساحات، وكان في السابق الارتكاز على مرفأ بيروت واليوم يجب اعتماد مرفأ آخر، بالإضافة إلى البنى التحتية اللازمة ومحطة تغويز وحدة "FSRU" بالتالي على الدولة اختيار المكان المناسب استراتيجياً، والبدء بتحضير التجهيزات، والبنى التحتية اللّازمة".
وشدّدت حريز على، "بناء علاقات واتفاقيات أولية مع الدول من أجل تسويق الغاز، إذ أن الاستخراج وحده غير كافٍ والموضوع بحاجة إلى تصريف الإنتاج، لكنّ هذا الأمر مرتبط بالسياسة الخارجية"، كما وشدّدت على وجوب فتح كل البلوكات لتسريع عملية إنتاج الغاز واستثمار هذه الثروة، كي لا تكون الاستفادة من الغاز مرهونة بملف ترسيم الحدود جنوباً".
وعن التشريعات المطلوبة لجهة الهيئة المذكورة والصندوق السيادي، فإنّ حريز ذكرت أنّ، "اللقاء الديمقراطي تقدّم باقتراحات قوانين متعلقة بتصحيح مسار الهيئة، وبإنشاء صندوق سيادي، لكن الاقتراحات لم تُعرض على اللجان النيابية بعد، وليس خافياً على أحد وجود عرقلة سياسية في هذا الملف".
وختمت حريز حديثها مشيرةً إلى أهمية إقرار المخطّط البنيوي المذكور، "إذ دونه لا يمكن استثمار قطاع البترول بشكلٍ صحيح. فالدول تعتمد على وضع هذه المخطّطات، وتحدّد رؤيتها للاستفادة من القطاع. أمّا الدولة اللبنانية، فقد تأخرت برسم المخطّط، خصوصاً وأنّها لزّمت بلوكات وبدأ الحفر، وبالتالي إن دلّ غياب المخطّطات على شيء فهو يدل على عدم جدّية الدولة في متابعتها لهذا الملف الحساس".