Advertise here

كي لا تخون البعض ذاكرته

01 تشرين الثاني 2021 15:33:18

جاءت مداخلة رئيس الحزب في المؤتمر الثامن والأربعين للحزب في عين زحلتا لتوقظ البعض من سباته، ولتشرح لمن فاته الأحداث التاريخية من أن يعيد قراءتها ويدرك أن التاريخ لا يمكن تزوير حقائقه، وإن كان بعض الإعلام المأجور يجعل من الوطني عميلاً، ومن المناضل مجرماً، ومن الحريص على السلم الأهلي موقظَ فتن.
       
 نقول هذا الكلام ليس من باب التزلّف، ولا من باب التملّق. نقول هذا الكلام بعد إصرار البعض من حاملي شعار الثورة على أنّ كافة القوى سواسية في تحمّل وزر الوضع الاقتصادي والمعيشي الذي وصلت إليه البلاد. كما أنّ البعض من الأطراف السياسية يغالي في بثّ سلوكه بحرصه على مستقبل البلاد، وطريقة إدارتها، وكأنّ غيره من دمّر البلاد باقتصادها على مدى سنين.
       
 إنّ السرد التاريخي لما مرّ عليه الحزب منذ نشأته، مروراً بكافة المحطات والأحداث التي رافقت مسيرته، والتي وردت في كلمة رئيس الحزب، يعطي المصداقية على طريقة التعاطي في السياسة على الساحة اللبنانية. فالحزب لم يرتهن بقراره منذ نشأته وليومنا هذا مع أي دولةٍ خارجية، بل نسج علاقات ودٍ واحترام مع العديد من الدول، وحتى التي كانت تصله مساعدات عسكرية أو مادية منها ولم يرتهن يوماً بقراره لها.

 وإذا كانت حرب الجبل المشؤومة قد جعلت مناطق عديدة تحت سيطرته، إلّا أنّه أنشأ إدارة مدنية لتسيير أمور الناس في ظل غياب الدولة، ولم يعمد لبناء دويلة داخل الدولة. وبعد أن حطت الحرب أوزارها كان من المبادرين لتسليم السلاح، والدخول في مرحلة السلم الأهلي، إلّا أنّ النظام اللبناني العفن، وبفضل بعض القوى التي حصلت على امتيازات في الحكم بسبب النظام الطائفي، حاصرت الحزب وقيّدته، وجعلته يتمثّل بحصةٍ مذهبية صغيرة لا تعكس على الإطلاق واقع تمثيله الحقيقي على صعيد البلاد. وبالطبع هذا النهج اعتُمد في عهد الوصاية السورية على لبنان، والذي لم يعمد عن قصد لتطبيق اتّفاق الطائف بل عمد إلى ترسيخ مبدأ المحاصصة، وتقاسم الغنائم في الحكم.

       
 لا يمكن على الإطلاق تحميل من تحجّم دوره الطليعي في ترسيخ عروبة لبنان وإدخاله في مرحلة السلم الأهلي بعد معركة سوق الغرب التي خاضها بقرارٍ ذاتي، والتي أدت إلى اتّفاق الطائف، لا يمكن تحميله ما أسفر عنه حكم عهد الوصاية والذي جعل من الترويكا الجهة التي حكمت لبنان . أمّا فيما خصّ سياسات الهدر والصفقات والسمسرات، فكان الأحرى مساءلة العهود التي حكمت عن سبب إقصاء أجهزة الرقابة عن مراقبة إدارات الدولة، وكافة المؤسّسات التابعة لها. لذلك لا بدّ من التمعّن جيّداً بمن تحكّم بمقدرات البلاد، ومَن كان يحلّ ويربط الأمور، ومَن كان يمدّ أذرعه للتحكّم بمقدّرات البلاد. لهذا شعار "كلّن يعني كلّن" هو لذرّ الرماد في العيون. فالأطراف السياسية ليست جميعها سواسية.        

وفيما خصّ سياسة التهدئة والحوار لدى الحزب فهي لم تنطلق يوماً من مكامن الضعف بل من مكامن القوة. إذ أنّ الحكمة تكمن عندما يتمتّع طرف بتاريخ نضالي عريق، وله تمثيل شعبي واسع، من أن يتخذ خطوات للتلاقي في منتصف الطريق والتحاور والاتفاق على النقاط المشتركة، لأن تاريخ لبنان أثبت أنّ ما من فريق يستطيع أخذ الوطن إلى محورٍ ما، وما مِن فريق يستطيع القضاء على الآخر. لبنان الذي لا مثيل لمكوّناته وبالرغم من حجمه في العالم، أعطى أمثولة أنّ التوافق هو السبيل الوحيد للإنطلاق به. وعنجهية البعض ستصل إلى الحائط المسدود، ولكن الخوف أن يتكبّد اللبنانيون المزيد من الخسائر لحين قيام هذا البعض بتقديم التنازلات لحلّ الأزمات المتتالية، والاقتناع بحياد لبنان الإيجابي في صراع الدول، طبعاً باستثناء الصراع مع إسرائيل.
 
 *رئيس جمعية كمال جنبلاط الفكرية