Advertise here

جنبلاط - برّي: تحييد الحكومة والتهدئة

20 تشرين الأول 2021 14:17:46

إذا كان ثمّة خطوة أولى تشير إلى العوامل والأسباب التي رسمت معالم الزيارة السريعة التي قام بها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إلى دارة رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، فإنّ العالمين في مقاربة جنبلاط السياسية، يشيرون إلى أنّه لا بدّ من تأكيد ارتفاع مستوى التنسيق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري على الدّوام في المنعطفات الصعبة في ظلّ إدراكهما العميق لطبيعة التركيبة اللبنانية، وحساسيّتها وتفهّمهما لموازين القوى وانعكاساتها على الصعيد الداخلي. وقد حتّمت أحداث الطيونة التي وضعت البلاد أمام مفترق خطير وفق رؤية بري وجنبلاط، ضرورة تفعيل محرّكات التنسيق بينهما على نحو سريع. وإذ يستمرّ التواصل في هذه المرحلة بين الاشتراكي وأمل، تعكس مقاربة جنبلاط قلقاً من إمكان تعثّر عمل الحكومة بعد أسابيع قليلة على ولادتها، وتخوّفه من وضع البنود الوزارية الملحّة في ثلاجة الانتظار، كحكومة غير قادرة على الاجتماع والانتاج، بما يبقي البلاد في حالٍ من التدهور المدمّر والمؤثّر على غالبية شرائح المجتمع، مع الحاجة إلى خطوات إصلاحيّة سريعة التطبيق. ومن هنا، جرى التباحث بين الرجلين في كيفيّة تجاوز ذيول حادثة الطيونة وإعادة تفعيل عمل الحكومة، باعتبار أنّ ما حصل من اشتباكات قد أدّى إلى شلّ الفريق الوزاريّ بما هو ليس لمصلحة أحد.

وتشير المعطيات التي استقتها "النهار" من مصادر مواكبة للقاء عين التينة، بأنّ الكواليس تطرّقت إلى ثلاثة عناوين رئيسية: أوّلها، التأكيد على تحييد الحكومة عن أيّ تجاذبات حاصلة، وتركها تقوم بعملها من خلال ضرورة تفعيل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والحرص على عدم الوقوع في فراغ تنفيذيّ جديد. وثانيها، التأكيد على أنّ التصعيد السياسي المتّخذ طابعاً أمنياً في البلاد ليس عاملاً ايجابيّاً، ولا بدّ من إعطاء نوع من الطمأنينة المجتمعيّة للمواطنين من دون أن يعني ذلك عدم السير في المسار القضائي. وثالثها، متعلّق بالتحقيقات في انفجار مرفأ بيروت وضرورة أن يشمل التحقيق الجميع والعمل على إسقاط الحصانات عن الجميع. وتطرّق اللقاء إلى ضرورة عدم انعكاس أحداث الطيونة على الحياة السياسية والحياة العامة في البلاد والتعبير عن الموقف السلمي بين الأطراف والمكوّنات السياسية. وتؤكّد المعطيات على التوافق بين كلّ من بري وجنبلاط على النقاط الثلاثة.

أيّ مقاربة من شأنها تلخيص الموقف الدقيق لجنبلاط في ما يتعلّق بمسار تحقيقات انفجار المرفأ؟ وكيف الردّ على القراءات المشيرة إلى تراجعه خطوات إلى الوراء بعد دعمه للقاضي طارق البيطار؟ يشير مستشار رئيس التقدمي رامي الريّس لـ"النهار" إلى أنّ "جنبلاط لن يكون في موقع المتدخّل بعمل القضاء. ويترك الموضوع للمعالجة في المواقع المختصّة. ويحرص على عدم تأويل موقفه أو تفسيره إلى جانب هذا الطرف أو ذاك. ويحاول جنبلاط إصدار مواقف تصبّ في خانة التهدئة، ومن شأنها عدم الذهاب بالبلاد إلى انفجار أمنيّ في ظلّ قلق ممّا قد تحمله المرحلة المقبلة بعد الكلام المستجدّ عن حرب أهلية وإعادة بناء المتاريس سياسية ما يحمل تأثيرات ومفاعيل. نحن مع الوصول إلى الحقيقة وكشف كيفيّة حدوث الانفجار، في وقت كان جنبلاط أوّل من طالب بتحقيق دولي، فيما لم تصبّ المناخات الداخلية والخارجية في هذا الاتجاه". وإذ يؤكّد الريّس أنّه "لا يمكن التعامل مع واقع الطيونة كأنه لم يكن، وسط مستجدّ أمني - سياسي خطير، لا بدّ من تطويقه سياسيّاً وأمنيّاً وقضائيّاً، وإلّا تخرج الأوضاع نحو اتجاهات مختلفة تماماً"، يشدّد على أنّ "التشاور مستمرّ مع رئيس مجلس النواب في أحلك الظروف فيما كان الحزب التقدمي الوحيد الذي يمتلك قدرة على التحاور مع أطراف قوى 8 و14 آذار على حدٍّ سواء. وتبقى استراتيجيّته قائمة على الحوار بين القوى المختلفة لا المتّفقة. ويصرّ جنبلاط على عدم تحميل المسؤوليّات المسبقة وترك مهمّة القيام بالتحقيق اللازم للقضاء مع تحديد الخلاصات على أساس ما يمكن أن تصل إليه التحقيقات".

ولا يغيب عن الصورة العامّة تأكيد الإبقاء على قنوات التواصل والتحالف وسط علاقة وطيدة لها نكهتها الخاصّة بين الفريقين، مع ضرورة تفعيل جسور التواصل بين المكوّنات السياسية، انطلاقاً مما يؤكّد مقرّبون من رئيس مجلس النواب نبيه بري لـ"النهار"، مع الاشارة إلى ضرورة تطويق ما حصل في الطيونة وإنجاز التحقيقات سريعاً مع تسمية الأمور بأسمائها. وتشير المعطيات في هذا الإطار إلى أن ثمّة نوع من المعالجة التي جرى المباشرة بها على نار هادئة، مع حرص الجميع على أن تتحمّل الحكومة مسؤوليتها في شتّى الملفات المتعلّقة بشؤون الناس في النواحي المالية والاجتماعية والمعيشية. ويؤكّدون مسعى بري إلى تفعيل العمل الحكومي أكثر من أيّ وقت مع نفي تعليق المشاركة في الحكومة، لكنّ مسار العمل في الجلسة الحكومية الماضية كان له أن فتح سجالاً ومؤشّراً على ألّا جلسات لمجلس الوزراء إذا لم يباشر الحلّ في الموضوع القضائي. ويعني مجرّد بذل الجهود بأنّ النوايا صادقة للمساهمة في التوصّل إلى حلول. ويتمثّل الموضوع الأهمّ بالنسبة إلى ما تؤكّده المصادر نفسها في ما يخصّ أحداث الطيونة، في التمسّك بالإسراع في التحقيقات وعدم الانجرار خلف التحريض على السلم الأهليّ.